فرانسيس بيكون

(بالتحويل من فرانسيز بيكون)

بيكون، فرانسيس (1561 ـ 1626م). فيلسوف ورجل دولة إنجليزي.كان من المؤيدين الأوائل الأساسييّن والأكثر نفوذًا للمذهب التجريبي ومن المؤيدين لاستعمال الطرق العلمية لحل المشكلات.

من أهم كتابات بيكون الفلسفية:التقدم في التعليم (1605م)؛ الأورغانون الجديد (1620م) وهما الكتابان الوحيدان اللذان أتم كتابتهما ضمن مشروع في ستة أجزاء يُسمَّى التجديد الكبير. وهو في طرق بحث ونظريات وإنجازات العلوم التجريبية. وكتب بيكون أيضًا مقالات ذات طابع هزلي ومقالات مبتكرة.

حياته. وُلد بيكون في لندن وكان والده موظفًا حكوميًا مهمًا. التحق بكلية ترينيتي، ـ وهي تابعة لجامعة كمبردج ـ من عام 1573م حتى 1575م. وانضم في عام 1576م إلى حاشية السفير الإنجليزي في فرنسا.

انتُخب بيكون عضوًا في البرلمان عام 1584م ومُنح وسام الفروسية عام 1603م. وتقلد مناصب عديدة رفيعة في الحكومة حتى عام 1621م، وأثناء ذلك أدُين بتهمة قبض رشاوى وأودِع السجن لمدة قصيرة.

فلسفته. كان بيكون يعتقد بأن جميع الادعاءات المعرفية وخصوصًا تلك المتعلقة بعلوم العصور الوسطى هي ادعاءات باطلة، مشيرًا إلى أن عقول الناس تطرح تعميمات متسرعة مما يعوق الوصول إلى المعرفة أو العلوم. واعتقد بيكون بأن معظم هذه التعميمات قائم على اختبارات غير كافية لظاهرة طبيعية قائمة. ومع ذلك، فإنه اعتقد بأن العقل بإمكانه اكتشاف الحقيقة. ومن خلال هذا الاكتشاف يستطيع الأفراد أن يكتسبوا قوة تفوق قوة الطبيعة. وكان هدف بيكون الرئيسي حصول العنصر البشري على هذه القوة. وعلى أية حال، فقد نادى بيكون بتطهير العقل البشري من أربعة تحيزات (أهواء)، أطلق عليها اسم المعبودات.

التحيز الأول ميل الناس إلى تفسير إدراكهم الحسي، وفهمهم للأشياء بأنه حقيقي وليس مشوهًا، فقد رأى بيكون أن أي إدراك بشري لم يتعرض للفحص النقدي غير قابل للثقة.

التحيز الثاني ميل الناس للحكم على الأمور من خلال ثقافتهم وتجربتهم وذوقهم، ولم يدرك الناس مدى قابلية هذه العوامل للتغير، وبذلك فإنه لا يمكن الاعتماد عليها أساسًا لبناء المعرفة.

التحيز الثالث ناتج عن العلاقات البشرية، فقد يحدث التباس وتشويش بين الناس نتيجة التعبير بكلمات لم تكن دقيقة في تأدية المعنى.

التحيز الأخير تأثير الفلسفات القديمة وقوانين التعليل أو التعقل، وقد كانت هذه الفلسفات والقوانين من نسج الخيال ولم يكن لها قيمة ذهنية أو ثقافية. وقد اعتقد بيكون أنه بإمكان العقل أن يصل إلى الحقيقة إذا اتبع بدقة أسلوب الاستقراء في البحث عن سبب وجود ظاهرة ما. ويشتمل أسلوب الاستقراء على أربع خطوات: 1- كشف جميع الحالات المعروفة التي تحدث فيها الظاهرة. 2- كشف جميع الحالات التي لا تحدث فيها الظاهرة. 3- كشف الحالات التي تحدث فيها الظاهرة في درجات مختلفة. 4- فحص الكشوف الثلاثة.

وتقود هذه الخطوات إلى اكتشاف عنصر يظهر كلما وجدت الظاهرة، ويختفي كلما اختفت الظاهرة، وبذلك يمكن اعتبار هذا العنصر السبب في وجود الظاهرة.

ومع أن بيكون أيد الأساليب التجريبية، إلا أنه شعر أن الناس بحاجة إلى نظرية تمهيدية (افتراضات) لتساعدهم في بحوثهم. ولكن بيكون لم يدقق في طبيعة هذه النظرية.

فرانسيس بيكون (بالإنجليزية: Francis Bacon) (م 22 يناير 1561 - 9 أبريل 1626) فيلسوف ورجل دولة وكاتب إنجليزي، معروف بقيادته للثورة العلمية عن طريق فلسفته الجديدة القائمة على «الملاحظة والتجريب». من الرواد الذين انتبهوا إلى عدم جدوى المنطق الأرسطي الذي يعتمد على القياس.

لُقِّب بيكون بأب التجريبية. جادل بإمكانية المعرفة العلمية المبنية فقط على الاستقراء والمراقبة الدقيقة للأحداث في الطبيعة. جادل أيضًا بأن العلم يمكن تحقيقه من خلال استخدام أسلوب متشكك ومنهجي يهدف من خلاله العلماء إلى تجنب تضليل أنفسهم. إن الفكرة العامة لأهمية وإمكانية وجود منهجية متشككة تجعل بيكون أب المنهج العلمي؛ وذلك على الرغم من أن مقترحاته الأكثر تحديدًا حول مثل هذه الطريقة، طريقة بيكون، لم يكن لها تأثير طويل الأمد. كانت هذه الطريقة إطارًا بلاغيًا ونظريًا جديدًا للعلم، وما تزال تفاصيلها العملية مركزية في المناقشات حول العلم والمنهجية.

كان فرانسيس بيكون راعيًا للمكتبات، وطور نظامًا لفهرسة الكتب ضمن ثلاث فئات، التاريخ والشعر والفلسفة، والتي يمكن تقسيمها أيضًا إلى مواضيع وعناوين فرعية محددة. يُعزى إلى بيكون هذا القول حول هذه الكتب: «هناك بعض الكتب التي يجب تذوقها، والبعض التي يجب ابتلاعها، والبعض الآخر التي يجب مضغها وهضمها». تلقى بيكون تعليمه في كلية الثالوث بكامبريدج حيث تابع بدقة منهج القرون الوسطى باللغة اللاتينية.

كان بيكون أول شخص يستلم منصب مستشار الملكة، الذي مُنِح له في عام 1597 عندما احتفظت به إليزابيث الأولى ملكة إنجلترا كمستشار قانوني لها. حصل بيكون على لقب فارس بعد تولي جيمس السادس والأول في عام 1603، وتولى البارون فيرولام المنصب في عام 1618 وفيكونت سانت ألبانز في عام 1621.

لم يكن لبيكون ورثة، فانقرض كلا اللقبين عند وفاته في عام 1626 عن عمر يناهز 65 عامًا. توفي بسبب ذات الرئة، وذكرت إحدى روايات جون أوبري أنه أصيب به أثناء دراسة آثار التجميد على حفظ اللحوم. دُفِن في كنيسة القديس ميخائيل بسانت ألبانز في هيرتفوردشاير.

بداية حياته

' عمله '

المنهج التجريبي لدى فرانسيس بيكون: (لو بدأ الإنسان من المؤكدات انتهى إلى الشك، ولكنه لو اكتفى بالبدء في الشك، لانتهى إلى المؤكدات) فرانسيس بيكون .

شهد القرن السابع عشر تغييرات هامة في طريقة تفكير الكثيرين جعلته بمثابة ثورة إلا أنها لم تكن بالغة الأثر وذلك راجع إلى الضغوط القوية المستحدثة التي أثرت على بناء الفكر وتلاحمه، وقد جاءت الضغوط من عدة اتجاهات أهمها الأفكار العلمية التي فجرها جاليليو ونيوتن، عصر النهضة بإعادة إحياء معرفة الشكاك القدامى، عصر الإصلاح الديني الذي تحدى السلطات التقليدية وكذلك الحروب الدينية والثورة الصناعية والتوسع وراء البحار مما كشف الأوروبيين على حضارات أجنبية جديدة.

هذه العوامل أثرت في طريقة التفكير ولم يكن أمام الفلسفة خيار سوى الاستجابة واستيعاب أكثر قدر من الأفكار والمعلومات والحقائق الجديدة. ولهذا الغرض ابتدأت بالشك، لأن التفكير العلمي الفعال يبدأ من الشك لا من الإيمان. ويعتبر بيكون من أوائل الذين دعوا إلى تحرير الفكر والاصطباغ بالروح العلمية في العصور الحديثة في كل أوروبا. يقول بيكون: إن إفساح المجال أمام الشك له فائدتان، الأولى تكون كالدرع الواقي للفلسفة من الأخطاء والثانية تكون كحافز للاستزادة من المعرفة. ولد فرانسيس بيكون في مدينة لندن في الثاني والعشرين من شهر يناير من عام 1561، التحق بجامعة كامبريدج ومن ثم رحل إلى فرنسا واشتغل مدة في السفارة الإنجليزية بباريس ثم ما لبث أن عاد إلى وطنه وشغل مستشارا للملكة إليزابيث.

فلسفة بيكون

يعتبر بيكون هو حلقة الاتصال بين الماضي والحاضر وذلك لأنه يرى أن الفلسفة قد ركدت ريحها، واعتراها الخمود في حين أن الفنون الآلية كانت تنمو وتتكامل وتزداد قوة ونشاطا على مر الزمن. أدرك بيكون أن انحطاط الفلسفة يرجع إلى عدة عوامل: خلفت النهضة الأوروبية روحا أدبية جعلت الناس يهتمون بالأساليب والكلمات ويهملون المعاني. اختلاط الدين بالفلسفة، واعتماد الناس في أحكامهم على الأدلة النقلية وأخذهم بأقوال السالفين دون نظر في صحتها من عدمه. لرجال الفلسفة أثر في انحطاط الفلسفة، إذ خرجوا بها عن موضوعها واعتمدوا فيها على الثرثرة الكاذبة. تعصب الناس وتمسكهم بالعادات القديمة والعقائد الموروثة. عدم التثبت في دراسة الأمثلة والطفرة في الوصول إلى نتائج.

وقد أدرك بيكون بأن العيب الأساسي في طريقة التفكير لدى فلاسفة اليونان والعصور الوسطى إذ ساد الاعتقاد بأن العقل النظري وحده كفيل بالوصول إلى العلم، ورأى أن الداء كله يكمن في طرق الاستنتاج القديم التي لا يمكن أن تؤدي إلى حقائق جديدة، فالنتيجة متضمنة في المقدمات. فثار ضد تراث أفلاطون وأرسطو بأسره وظهر له بأن الفلسفة المدرسية شيء مليء بالثرثرة، غير واقعي وممل للغاية، كما أنها لم تؤد إلى نتائج، وليس هناك أمل في تقدم العلوم خطوة واحدة إلا باستخدام طريقة جديدة تؤدي إلى الكشف عن الجديد وتساعد على الابتكار لما فيه خير الإنسانية. وقد حمل الفلسفة التقليدية وزر الجمود العلمي والقحط العقلي ويستغرب عجزها عن الإسهام الفاعل في رفاهية الإنسان وتقدمه وسعادته. وقد اعتقد بيكون أنه قد وجد الطريقة الصحيحة في الصيغة الجديدة التي وضعها للاستقراء، ويقصد به منهج استخراج القاعدة العامة (النظرية العلمية) أو القانون العلمي من مفردات الوقائع استنادا إلى الملاحظة والتجربة.

أهمية العلم عند بيكون

آمن بيكون إيمانا مطلقا بالعلم وبقدرته على تحسين أحوال البشر فجعل العلم أداة في يد الإنسان، تعينه على فهم الطبيعة وبالتالي السيطرة عليها. يؤمن بيكون بأنه كانت للإنسان سيادة على المخلوقات جميعا ثم أدى فساد العلم إلى فقدان هذه السيطرة ومن هنا كانت غايته مساعدة الإنسان على استعادة سيطرته على العالم. أراد بيكون أن يعلم الإنسان كيف ينظر إلى الطبيعة، فالأشياء تظهر لنا أولا في الضباب وما نسميه في أغلب الأحيان مبادئ هو مجرد مخططات عملية تحجب عنا حقيقة الأشياء وعمقها. ورأى أنه يجب أن تكون للإنسان عقلية عملية جديدة، يكون سبيلها المنهج الاستقرائي الذي يكون الهدف منه ليس الحكمة أو القضايا النظرية بل الأعمال، والاستفادة من إدراك الحقائق والنظريات بالنهوض في حياة الإنسان وهذا ما عبّر عنه بقوله: «المعرفة هي القوة». ففلسفته محاولة لكشف القيم الجديدة التي تتضمن الحضارة العلمية الحديثة في أول عهودها، واستخلاص المضمونات الفكرية لعصر الكشوف العلمية والجغرافية والتعبير بصورة عقلية عن التغيير الذي تستلزمه النظرة الجديدة إلى الحياة تتجلى فكرة بيكون في مقولته بأن المعرفة ينبغى أن تثمر في أعمال وان العلم ينبغي أن يكون قابلا للتطبيق في الصناعة، وأن على الناس أن يرتبوا أمورهم بحيث يجعلون من تحسين ظروف الحياة وتغييرها واجبا مقدسا عليهم. التجديد الذي قدمه بيكون هو قدرته على أن يثمر أعمالا.. فالعلم في رأيه هو ذلك الذي يمكن أن يثمر أعمالا ويؤدي إلى تغيير حقيقي في حياة الناس. وهذا يعني أن العلم الذي يُدرس في معاهد العلم الموجودة ليس علما، وأنه لا بد من حدوث ثورة شاملة في نظرة الناس إلى العلم، وإلى وظيفته وإلى طريقة تحصيله. وهكذا اتجهت دعوة بيكون إلى القيام بأنواع جديدة من الدراسات العلمية التي ترتبط بحياة الإنسان ارتباطا وثيقا، بحيث يكون هذا العلم أساسا متينا تبنى عليه الفلسفة الجديدة بدلاً من الأساس الواهي القديم وهو التجريدات اللفظية الخاوية وقد صنف بيكون العلوم وكان هدفه منها ترتيب العلوم القائمة وخاصة الدالة على العلوم التي ينبغي أن توجد في المستقبل وهو يرتبها بحسب قِوانا الإدراكية ويحصرها في ثلاث:

  • الذاكرة وموضوعها التاريخ.
  • المخيلة وموضوعها الشعر.
  • العقل وموضوعه الفلسفة.

المنهج الجديد

كان بيكون يرى أن المعرفة تبدأ بالتجربة الحسية التي تعمل على إثرائها بالملاحظات الدقيقة والتجارب العملية، ثم يأتي دور استخراج النتائج منها بحذر وعلى مهل ولا يكفي عدد قليل من الملاحظات لإصدار الأحكام، وكذلك عدم الاكتفاء بدراسة الأمثلة المتشابهة بل تجب دراسة الشواذ من الأمور الجوهرية في الوصول إلى قانون عام موثوق به يقول بيكون: إن الاستنباط الذي يقوم على استقراء أمثلة من طراز واحد لا يعتد به وإنما هو ضرب من التخمين، وما الذي يدلنا على استقصاء البحث وعموم القانون وقد تكون هناك أمثلة لا تشترك مع البقية في الخصائص، وهذه لا بد من دراستها؟ وقد دفع به هذا الموقف إلى نقد المدرسيين والقدماء لاكتفائهم بالتأمل النظري حول الطبيعة دون أن يعنوا بملاحظة ظواهرها. ومن ثم فإن الفلسفة الحقة – في نظره- يجب أن تقوم على أساس من العلم وتستمد نتائجه القائمة على الملاحظة والتجربة. فيجب على العلم الطبيعي إذن احترام الواقع الحسي إلى جانب الذهن في تخطيطه للطبيعة. وهذه هي أسس النظرية المنطقية الجديدة، التي استند إليها بيكون في دعوته إلى ضرورة إصلاح المنطق الصوري الأرسطي وتعديله والاستعاضة عنه بمنطق جديد يمهد السبيل أمام الإنسان لكي يستطيع بواسطته الكشف عن ظواهر الطبيعة والسيطرة عليها، أي انه يريد استبدال منهج البرهان القياسي بمنهج الكشف الاستقرائي. يرى بيكون أنه إذا أردنا الوصول إلى الهدف المنشود فلا بد من مراعاة شرطين أساسيين وهما:

  • شرط ذاتي يتمثل في تطهير العقل من كل الأحكام السابقة والأوهام والأخطاء التي انحدرت إليه من الأجيال السالفة
  • شرط موضوعي ويتمثل في رد العلوم إلى الخبرة والتجربة وهذا يتطلب معرفة المنهج القويم للفكر والبحث، وهو ليس إلا منهج الاستقراء. وليس المنهج هدفا في حد ذاته بل وسيلة للوصول إلى المعرفة العلمية الصحيحة، إذ أنه - كما يقول بيكون - بمثابة من يقوم بإشعال الشمعة أولا ثم بضوء هذه الشمعة ينكشف لنا الطريق الذي علينا أن نسلكه حتى النهاية.

قواعد منهج الاستقراء

  • جمع الأمثلة قدر المستطاع.
  • تنظيم الأمثلة وتبويبها وتحليلها وإبعاد ما يظهر منها انه ليس له بالظاهرة المبحوثة علاقة عله ومعلول.

وهكذا يصل إلى صورة الظاهرة والتي تعني عند بيكون: قانونها أساس طريقة الاستقراء لدى بيكون هي أن يتجرد الإنسان من عقائده وآرائه الخاصة، ويطرق باب البحث مستقلا، ويتلمس الحكمة أنى وجدها ويتذرع بجميل الصبر وطول الأناة حتى يأمن العثار. ويتمثل في الكشف عن المنهج العلمي القويم وتطبيقه وإخضاع كل قول مهما كان مصدره للملاحظة والتجربة، فالإنسان لن يستطيع أن يفهم الطبيعة ويتصدى لتفسير ظواهرها إلا بملاحظة أحداثها بحواسه وفكره.

الديانة

كان بيكون مسيحيًا أنجليكانيًا ورعًا. ولقد كان يعتقد أنه ينبغي دراسة الفلسفة والعالم الطبيعي دراسةً استقرائية، ولكنه قال بأنه لا يمكننا سوى دراسة الحجج لوجود الله. يُمكن أن تأتي المعلومات الخاصة بسماته (مثل الطبيعة والإجراء والأغراض) فقط من وحي خاص. لكن بيكون اعتبر أيضًا أن المعرفة بطبعيتها تراكمية، حيث شملت تلك الدراسة أكثر من مجرد الحفاظ على الماضي. فيكتب: «المعرفة هي المخزن الغني لمجد الخالق وتخفيف حيازة الإنسان»، وفي مقالته يعتبر أن «صحيحٌ أن القليل من الفلسفة تقنع عقل الإنسان بالإلحاد، ولكن التعمق في الفلسفة يجلب عقول البشر للدين».

قد تكون فكرة بيكون عن أصنام العقل تمثل وعيًا ذاتيًا محاولة لإضفائه الطابع المسيحي على العلم وفي نفس الوقت الذي يقوم فيه بتطوير طريقة علمية جديدة موثوقة؛ أعطى بيكون عبادة نبتون كمثال على مغالطة قبائل الأصنام، ملمحًا إلى الأبعاد الدينية لنقده للأوثان.

مناظرات تاريخية

بيكون وشكسبير

تؤكد الفرضية البيكونية عن أصالة شكسبير، التي اقتُرِحت لأول مرة في منتصف القرن التاسع عشر، أن فرانسيس بيكون كتب بعض أو حتى كل المسرحيات المنسوبة تقليديًا إلى ويليام شكسبير.

نظريات غامضة

اجتمع فرانسيس بيكون في أغلب الأوقات مع الرجال في جمعية غرايز لمناقشة السياسة والفلسفة، وتجربة العديد من المشاهد المسرحية التي اعترف بكتابتها. ناقش المؤلفون والعلماء علاقة بيكون المزعومة بالصليب الوردي (الروسيكروسيانيسم) والماسونية على نطاق واسع في العديد من الكتب. جادل آخرون، بما في ذلك دافني دو مورييه في سيرتها الذاتية حول بيكون، بأنه لا يوجد دليل جوهري يدعم مزاعم التورط مع الصليب الوردي. لا تدعي فرانسيس ييتس تبعية بيكون للصليب الوردي، ولكنها قدمت دليلًا على أنه كان مشاركًا في بعض الحركات الفكرية الأكثر انغلاقًا في عصره. جادلت أيضًا بأن حركة بيكون للنهوض بالتعلم كانت مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بحركة الصليب الوردي الألمانية؛ ويصور كتاب بيكون بعنوان أطلنطس الجديدة أرضًا يحكمها الصليب الوردي. رأى بيكون بشكل واضح أن حركته الخاصة من أجل النهوض بالتعلم تتوافق مع المُثل العليا لأتباع الصليب الوردي.

تجسد الرابط بين عمل بيكون ومُثُل الصليب الوردي التي يُزعم أن ييتس وجدتها بالتوافق مع الأغراض التي عبر عنها بيان الصليب الوردي وخطة بيكون عن «التثبيت العظيم»، إذ دعا الاثنان إلى إصلاح كل من «الإله» و«الفهم البشري»، واتفق كلاهما أيضًا بأن الغرض من عودة البشرية يعود إلى «حالة ما قبل السقوط».

يقال أن هناك رابطًا رئيسيًا آخر هو التشابه بين كتاب بيكون أطلنطس الجديدة وكتاب الألماني يوهان فالنتين أندريا التابع للصليب الوردي الألماني بعنوان وصف جمهورية كريستيانوبوليس (1619). يصف أندريا جزيرة طوباوية حكمت فيها الفلسفة المسيحية والعلوم التطبيقية، حيث شكل الإنجاز الروحي والنشاط الفكري الأهداف الأساسية لكل فرد، وكانت المساعي العلمية هي أعلى دعوة فكرية، وارتبطت بتحقيق الكمال الروحي. تصور جزيرة أندريا أيضًا تقدمًا كبيرًا في التكنولوجيا، حيث فُصِلت العديد من الصناعات في مناطق مختلفة كانت تلبي احتياجات السكان، فأظهر ذلك تشابهًا كبيرًا مع الأساليب والأغراض العلمية لبيكون.

رفض المؤرخ الفكري باولو روسّي نظريات المؤامرة الغامضة المحيطة ببيكون، وادعاء بيكون الذي حُدِّد شخصيًا على أنه صليبي وردي، فجادل في وجود تأثير غامض على كتابات بيكون العلمية والدينية. يجادل بأن بيكون كان على دراية بالنصوص الخيميائية الحديثة المبكرة، وأن أفكار بيكون حول تطبيق العلم لها جذور في أفكار عصر النهضة السحرية حول العلم والسحر اللذان يسهلان هيمنة البشرية على الطبيعة. يفسر روسّي أيضًا بحث بيكون عن معاني خفية في الأساطير والخرافات في نصوص مثل حكمة القدماء على أنها محاولات تنجيمية سابقة وأفلاطونية حديثة لتحديد الحكمة المخفية في أساطير ما قبل المسيحية. يشير عنوان دراسته أيضًا إلى ادعاء روسي بأن بيكون رفض في النهاية الأسس الفلسفية للتنجيم بسبب مجيئه لتطوير شكل من أشكال العلم الحديث.

وُسِّع جيسون جوزيفسون ستورم تحليل روسّي وادعاءاته في دراسته بعنوان أسطورة خيبة الأمل. يرفض جوزيفسون ستورم أيضًا نظريات المؤامرة المحيطة ببيكون، ولا يدعي أن بيكون كان من أتباع الصليب الوردي النشيطين. يجادل أيضًا بأن «رفض» بيكون للسحر شكل في الواقع محاولة لتنقية سحر التأثيرات الكاثوليكية والشيطانية والباطنية، ولتأسيس السحر كمجال للدراسة والتطبيق يوازي رؤية بيكون للعلم. يجادل جوزيفسون ستورم أيضًا بأن بيكون اعتمد على الأفكار السحرية عند تطوير طريقته التجريبية. وجد جوزيفسون ستورم دليلًا على أن بيكون يعتبر الطبيعة كيانًا حيًا تسكنه الأرواح؛ ويجادل بأن آراء بيكون حول الهيمنة البشرية وتطبيق الطبيعة تعتمد في الواقع على روحانيته وتجسيد الطبيعة.

تدعي منظمة الصليب الوردي التي تُدعى النظام الصوفي القديم للصليب أن بيكون كان «زعيم» نظام الصليب الوردي في كل من إنجلترا والقارة الأوروبية، وكان سيوجهها خلال حياته. يمكن أيضًا رؤية تأثير بيكون على مجموعة متنوعة من المؤلفين الدينيين والروحيين، وعلى المجموعات التي استخدمت كتاباته في أنظمة معتقداتهم.

فلسفته

Francis Bacon, Baron 0٤ Verulam, Viscount St. Alban.

فيلسوف وسياسي انكليزي. ولد في ٢١ يناير سنة ١٥٦١، في لندن، وتوفي في ٩ أبريل سنة ١٦٢٦ في لندن.

أ) حياته :

كان ابوه سير نقولا بيكون حاملاً لأختام = («وزير العدل») الملكة ال يصابت، المشهورة، وكانت امه عميقة الثقافة شديدة التدين وكان فرانسيس الابن الأصغر. ودخل فرانسيس كلية الثالوث في جامعة كمبردج وهو في سن الثانية عثرة فأظهر نبوغاً كبيراً جداً، ما لبث ان لفت نظر

بيكون

٣٩٣

الملكة اليصابت. فشجعته أمه على التحصيل العلمي، بينما أمل منه ابوه أن يصبح دبلوماسياً.

وتوفي أبوه وهو في الثانية عشرة. ولما كان هو الابن الاصغر فإنه لم يرث شيناً، ووجد نفه خاوي الوفاض، فاتجه الى دراسة القانون، على أساس ان مهنة المحاماة كانت من المهن لمدرة للربح الوفير وحصل على اجازة في لقانون في وتت قصير جدا ومارس المحاماة وبرز فيها، وفي سن الثالثة والعثرين. أصبح عضواً في مجلس لعموم البريطاني. وحالما أوشك أن يصير مدعياً عاماً عرف أنه هاجم سياسة الضرائب التى تفرضها الملكة، هاجمها في البرلمان. فعدلت الملكة عما انتوته من تعيينه مدعياً عاماً attorney general . فأثرت هذه الحادثة في نفس بيكون، وهو الطموح الى أعلى المناصب، وجعلته بدرك أن الاخلاص في الحق والنزاهة في التعبير لا يروجان عند أصحاب السلطة، وأدرك أن المجد في الدنيا لا ينال إلا بالنفاق والخداع والغدر والخيانة! ولما كان الطموح لى المجد أقوى الدوافع لديه، فقد اتخذ هذا المسلك الخسيس لتحقيق أطماعه.

ذلك أنه كان صديقاً حيما لأيرل اسكس of ا٥٣ت] *ع55ت وسعى هذا بقوة ومثابرة لترفير منصب رفيع لبيكون، وكان أيرل اسك مقرباً الى الملكة. لكن الملكة بد١ فع من موجدتها على بيكون بسيب نقده لسياستها الضرائبية، رفضت تعيينه في المنصب الذي كان يسعى له فيه صديقه يرل اسك، منصب المدعي العام attorney general. وعوضه ايرل اسكس بأن منحه احدى ضياعه. لكن حدث بعد ذلك بسنوات قليلة أن فقد ايرل اسكس حظرته لدى الملكة اليصابت، واتهم انكس الخياق. أتدري بمن استعانت الملكة لتبرير الاتهام؟ ببيكون نفسه، ضد ولي نعمته وصديقه الحميم ايرل اسكس! لقد استدعت الملكة بيكون وطلبت منه اعداد صحيفة الاتهام ضد اسكس فحاول ببكون في أول الأمر أن يعقد مصالحة بين الملكة واسكس، لكن لم تفلح محاولته، واطاع الملكة فيما أمرته به، بل اجتهد في تلمس الحجج وكيل الاتهامات لصديقه وولي نعمته. ولما قدم اسك للمحاكمة تولى بيكون نفسه مهمة المدعي العام، وكان اعرف الناس بخبايا صديقه، فحكم على ايرل اسكس بالاعدام ونفذ الحكم. وقد دافع بيكون عن مسلكه الشائن الخيس هذا في رسالة بعنوان :

«دفاع في أمر بعض الاتهامات الموجهة الى المرحرم ايرل اسكس» وفيها دافع عن مسلكه قانلا انه جعل واجبه فرق عاطفته نحو صديقه، وان مسلكه هذا تبرره الأخلاق! ورغم ذلك لم تكافه اليصابت بما كان يصبوإليه! .

فلما ماتت، وتلاها على العرش جيمس الأول (من أسرة ستيوارت) تقرب الى هذا الأخير ونال حظوة كبيرة لديه، فعبنه أولاً محامياً عاماً solicitor general ثم مدعياً عاماً attorney general ثم لورداً حاملاً للختم الكبير (وزير العدل) وهو المنصب الذي كان يشغله ابوه من قبل. وحدث في أثناء توليه هذا المنصب أن طلب الملك جيمس الأول تعذيب احد المسجونين لحمله على لاعتراف بأنه مذنب، وافق بيكون على ذلك، بينيا رفض المدعي العام الآخر، سير ادوارد كرك وقاوم الملك. فكافأه الملك على هذا العمل الثائن بأن عينه في ارفع منصب وهو Lord chancellor ومنحه لقب بارون فصار من النبلاء، وهوفي السابعة والخمسين من عمره!

بيد أن سفالات بيكون هذه ما لبثت أن تلتها المحن والويلات. فقد اتهم، وهو في سن الستين، بأنه تلقى رشوة من أحد التخاصمين في I حدى القضايا١ فحرك. ووجد مذنبا، فحكم عليه بالتجريد من جميع المناصب التي يشغلها. ولم ينكر بيكون التهم الموجهة اليه، لكنه اعتبر طرده من الوظائف محنة أصاته لا عقاباً له. وافر بأنه «ضعيف الارادة» في مقاومة الثر والفساد، وأنه «شارك في مفاسد أهل العصر» . وكان الحكم على بيكون هو بغرامة كبيرة، والسجن، والتجريد من الحقوق المدنية. لكن الملك اصدر قراراً بالعفو عنه، مكتفياً بعزله من كل مناصبه. ويظهر أن الملك قد جعل منه كبش فداء لما اضطر الى عقد البرلمان في سنة ١٦٢١ وبعد ذلك عاش بيكون خس سنوات عيشة خاصة منعزلة. لكنه لما توفي جيمس الأول حاول العودة الى مرح الحياة العامة. غير انه ما لبث أن توفي في ٩ ابريل سنة ١٦٢٦، نتيجة مرض أصابه و هو يجري تجربة تجميد لدجاجة ليرىكم تعيش. فأصيب بالتهاب رئوي.

ب)مؤل ه:

وعلى الرغم من هذه الحياة المضطربة الحانلة بالاحداث، فإن بيكون ظل يشتغل بالفلسفة وتقدم العلوم

٣٩٤

بيكون

ووضع المناهج العلمية، المؤدية الى تحقيق ما رآه من ضرورة تقدم المعرفة الانسانية.

لقد كان بيكون يؤمن بضرورة قيام العلم على اساس التجربة والملاحظة، ويرى أن ذلك هو الذي يؤدي الى ما أسماه باسم : instaurado magna (الاصلاح العظيم).

ويمكن تقسيم انتاجه الى اربعة أقسام:

أ) الدعوة الى تقدم لعلم وتصنيف العلوم وتحديدها.

ب) المنهج العلمي.

ج) جمع المواد.

د) الفلسفة بعامة والياسة.

ويندرج في القسم الأول المؤلفات التالية :

1) The Advancement of Learning, 1605

2) De dignitate ع augments scientiarum, 1623.

.في مكانة العلوم وتنميتها

3 - Descriptio globi intellectuals, 1612.

وصف الكرة العقلية

ب) ويندرج في القسم الثاني، وهو الأهم:

« الأورغانون الجديد» 1) Novum organun

بدأ يعمل فيه منذ سنة ١٦٠٨، ئم عدل فيه ١٢ مرة ، ونشره نشرة نهائية في سنة ١٦٢٠

٠ المعقولات والمرئيات» 1607 ,٧152 2) Cogitata et «الميلاد العظيم للزمان» 3) Temporis partus maximus

ويقصد به : الميلاد العظيم للعلم .

ج ) ويندرج في القم الثالث:

«مواد عن الرياح» 1) Historia venturum

«مواد عن الحياة والموت» 2) Historia vitaeermortis «مواد عن الكثيف والمخلخل» 3) Historia densi et rari «غابة الغابات» 1627 ,4) Sylva sylvarum

د) أما الباب لراع فليس يندرج فبه إلاً القليل، اذ

لم يستطع بيكون أن يضع قواعد الفلسفة التي سارع الى وصفها.

ويندرج فيه:

«مقالات» في الصفات الأخلاقية والفضائل1597 ,1) Essays «أطلتطى الجديدة» 1627 ,2) Newatlantis

«في شيوخ الحكمة» sapientiaveterum,16O9 ع10 (3 «سلم العقل» أو «خيط التيه»

4) Scala mentis sive filum labirinthi

«ارهاصارت الفلسفة»

anticipationes philosophiae ع5٧ 5) Podromi

ج) مذهبه: تصور جديد للعلم:

دعا بيكون الى تصور جديد للعلم وغايته ومنهجه.

١- أما من حيث تصور العلم فإنه رأى أن العلم الصحيح هو القائم على التجربة والملاحظة.

٢- وأما غاية العلم فهي تمكين الانسان من السيطرة على الطبيعة، ومعفى هذا ان العلم يجبان يكون نافعاً في الل.

٣ - أما المنهج فهو الاستقراء الناقص في مقابل الاستقراء الكامل الذي ظنه أرسطو أنه وحد المولد لليقين في العلم. ذلك انه رأى ان «الفلسفة الطبيعية» لم تحرز تقدماً يذكر منذ عهد اليونانيين، بل ان الفلاسفة المحدثين يعرفون، في بعض الموضوعات، أقل ما كان يعرف اليونانيون. وقد أعجب بيكون بالفلاسفة الماديين الح ناذه، بينما ازدرى أفلاك ن وهاجم أرطو- وأنحى على المحدثين من الفلاسفة لأن المعرفة تقدمت في فروع أجرى، بينما ظلت عقيمة في ميدان الفلسفة الطبيعية، وذكر بيكون من الوان التقدم في غير ميدان الفلسفة: الاكتشافات الجغرافية التي قام بها المكتشفون وخصوصا ماركو بولو، والمخترعات في ميدان الصناعة مثل اختراع فن الطباعة واختراع البارود، كما خص بالذكر الاكتشافات العظيمة في علم الفلك بفضل كوبرنيكوس وجاليليو. هؤلاء صنعوا عالما جديدا، وهذا العالم الجديد في حاجة إلى فلسفة جديدة. والفلسفة التقليدية صارت عقيمة ولا تصلح لهذا العالم الجديد. إن الفلاسفة التقليديين مثلهم مثل العنكبوت: لقد نسجوا أنسجة جميلة رائعة استمدوها من بطونهم، لكنهم لم يكونوا

بيكون

٣٩٥

على اتصال بالواقع الحقيقي وهذا هو الواجب الملقى على الفلسفة الجديدة: الاتصال بالواقع الحقيقي. . وإلى جوارهم عاش الكيمائيون الصنعويون alchemists الذين كان شأنهم شأن النمل: يجمع المواد من أي مصدركان ويكدسها ولا يدري ماذا يصنع بها. هؤلاء العناكب والنمل لم يكونوا نماذج طيبة، بل ينبغي اتخاذ نموذج اخر، هرنمرذج النحل الذي يفيد مما يجمع فيصنع منه عسلا مفيداً . فما هو البرنامج الذي وضعه بيكون لتحقيق هذا المطلب ؟ هذا البرنامج يتلخص في النقط اناب؛

١ - وضع تصنيف شامل للعلوم الموجودة.

٢- تقرير المبادىء الأساسية لفن تفسير الطبيعة.

٣ - جمع المعطيات التجريبية من المشاهدة.

٤ - اجراء التجارب.

٥ - استخدام الاستقراء، بالمعنى الجديد الذي أعطاه له بيكون، في تحصيل العلم.

٦ - تقديم شواهد لبيان نجاح هذا المنهج العلمي الد.

٧ - وضع أئبات بالتعميمات التي يمكن استقراؤ ها من دراسة الظواهر في الطبيعة.

٨ - وضع فلسفة شاملة في الطبيعة.

ولم يجقق بيكون إلآ القليل جداً من هذا البرنامج، لكن حسبه أنه وضعه، وفي هذا يقول: حسبي أن أكون قد ركبت الماكينة، وما علي اذا كنت لم أشغلها»

؟-الأصنام: وتمهيداً لتركيب هذه الآلة، كان عليه ان يكسر الأصنام المسيطرة على عقول المفكرين والناس. فهاجم الاسكلائية (تفكير العصر الوسيط) لأنها تقوم على الولع بالجدل للجدل، لا من اجل تحصيل معرفة إيجابية. وهاجم عقلية عصر النهضة لأنها احتفلت بالأسلوب وبلاغة القول، فراحت تبحث عن الألفاظ، يدلاً من البحث عن الوقائع العلمية واستقراء الأفكار الشائعة لدى المفكرين وعامة الناس، فنعتها بأنها أصنام تستعبد عقولهم. وقسم هذه الأصنام الى أربعة أقسام:

ا) أصنام القبيلة Idolae tribi وسماها بهذا الاسم لأنها منغرسة في الطبيعة الانسانية وفي كل قبيلة او جنس

من اجناس الناس. فمماهومغروس في طبيعة الانسان أن يظن أن الحواس تعطي معرفة صحيحة مباشرة عن الواقع. والناس ينسون بهذا أن ادراكاتهم الحسية تعتمد على الأقل على عقولهم، وبالتالي فإن معرفتهم الحسية نسبية. وقوى الادراك الحتي فينا كثيراً ما تعمل كالمرايا الزائفة فتشوه ما تعكسه من الخارج. ثم ان عقولنا تفرض على العالم الخارجي نظاماً متمداًمن انفسنا، ولا ينتسب الى الحقيقة الواقعية في الخارج . ومن أمثلة أصنام القبيلة ايضاً ميلنا الى تصديق ما نحب ان يكونصحيحاً. فمثلا إذا رأينا حلما قد تحقق، فإننا نثب الى هذه النتيجة وهي ان الأحلام تنبوءات صحيحة بما سيقع، مع أنا عرف احلاماً أخرى من الأحلام التي شاهدناها لم تتحقق . ولعلاج هذه الحالة ينصح بيكون بوضع لوحتين: لوحة لأحوال تحقق النتيجة، ولوحة أخرى لأحوال عدم تحققها.

ثم المقارنة بعد ذلك بين كلتا اللوحتين.

ب) اصنام الكهف: وقد سماها يهذا الاسم استعارة من اسطورة الكهف المشهورة التي عرضها أفلاطون في المقالة العاشرة من محاورة «السياسة» (المعروفة خطأ باسم «الجمهورية») ومفادها أن الانسان أسيرحواسه. يقول بيكون: «إن لكل انسان كهفه الخاص به، والذي يعترض ويشوه نور الطبيعة الواصلة اليه» . فكل واحد منا يميل الى تفسير ما يتعلمه على ضوء مزاجه أو ما يهواهمن آراء ونظريات.

ج) أصنام السوق: Idola fori ويسميها بهذا الاسم لأنها تتعلق باللغة، واللغة هي وسيلة التفاهم والتبادل بين الناس، والتجارة هي تبادل في السوق. والأخطاء الناجمة عن اللغة تقع في حالتين: حالة اشتراك معاني الألفاظ، فيدل اللفظ الواحد على عدة معان مختلفة، فيقع الخلط أو التمويه. والحالة الثانية هي أن نعد الألفاظ من الأشياء فنستغني بالألفاظ عن الأشياء والوقائع والأفعال.

د) أصنام المسرح theatri ها0ل1 ويقصد بها الأخطاء التي تسربت الى نفوس الناس من المذاهب الفلسفية المختلفة. وفي رأي بيكون أن هذه المذاهب هي كالمسرحيات: أي مخترعة أبدعها أصحابها، ولا يناظرها شيء في الواقع الحقيقي. فبعض المذاهب «يقود التجربة كانها اسير في موكب»، وبعضها الثافي موقفه اسوأ من موقف الأول لأنه

بيكون

«أهمل كل تجربة،. والبعض الثالث يكتفي بعدد قليل غامض من التجارب لينتقل منها بسرعة إلى قانون عام كلي. وإلى وضع فلسفة في الطبيعة. وفريق رابع يخلط بين الفلسفة واللاهوت، وتلك كانت غلطة أفلاطون في نظر بيكون «وليس فقط الفلسفة الخيالية، بل وأيضاً الدين المبتدع ينبثق من خليط غريب من الأمور الإلهية والانسانية».

٣ - تصنيف العلوم :

ولتحقيق الغاية التي استهدفها بيكون وهي إيجاد علم قادر على السيطرة على الطبيعة، لا بد من القيام بتصنيف للعلوم يكون بمثابة خريطة، لعالم لفكر، تبين ما تم انجازه من العلوم ، وما بقي علينا أن ننجزه . وهذا التصنيف يقوم على اساس ملكات النفس الانسانية التي هي مقر العلوم. وهذه الملكات ثلاث وهي: الذاكرة، والخيال، والعقل.

فإلى الذاكرة يرجع التاريخ، المدفي منه والطبيعي، وفي هذا الأخير يدرج بيكون تاريخ عجائب المخلوقات tératologie وتاريخ الفنون والصناعات technologie لأن لطبيعة تتحكم في كل شيء، كما قال.

والى الخيال، ينتسب الشعر الذي يمهد الطريق أمام الفلسفة الطبيعية، بما يبدر عنه من أساطير يصور ها في صوروألغاز.

والى العقل تنتسب افلسفة بموضوعاتها الثلاثة وهي: الله، والطبيعة، والانسان، وهذه الثلاثة هي بمثابة: مصدر النور (الله) وشعاعه المنكسر (الطبيعة) وشعاعه المنعكس (الانسان) وهذا العلم الثلاثي ينشأ عن جذع مشترك هو الفلسفة الأولى أو الحكمة، وهي العلم الباحث في الأحوال العالية transcendantes للموجودات والبديهيات العامة التي تحكم كل العلوم، وفقاً لقواين الطبيعة لا لقوانين القول، وذلك مثل البديهية التي تقول: «ان ما هو أقدر على المحافظة على نظام وشكل الأشياء هو الذي يملك قدرة أكبر» ومن هذه البديهية ينتج: في الفيزياء الخوف من الفراغ، وفي السياسة: سيطرة القوى المحافظة، وفي اللاهوت: سيادة امحبة، وعلم اللاهوت ليس هو العلم الذي يدرس أسرار الإيمان، بل الذي يدرس الله بوصفه خالق الموجودات، وعلم الطبيعة يشمل : الفيزياء، وتدرس العلل المادية والفاعلية، ويساعدها الرياضيات والميكانيكا. هذا من

ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن علم الطبيعة يشمل الميتافيزيقا وهو علم يدرس العلل الصورية والغائية كما يدرس السحر الطبيعي الذي هوبمثابة تطبيق له. وأخيرا: علم الإنسان، وينقسم إلى علم العقل وهو المنطق، وعلم الإرادة، وهو الأخلاق، وعلم الناس المجتمعين في جماعة، وهو علم السياسة.

وكان بيكون قد قسم الفلسفة الى: اللاهوت الطبيعي، والفلسفة الطبيعية. ثم قسم الفلسفة الطبيعية إلى نظرية: تبحث في أسباب المعلولات، وعملية تحاول انتاج المعلولات بواسطة تطبيق معرفة الأسباب. والقسم النظري من الفلسفة الطبيعية ينقسم بدوره لى الميتافيزيقا والى الفيزياء: فالميتافيزيقا تبحث في العلل الغائية والصورية، والفيزياء تبحث في العلل المادية والفاعلية.

٤ - المنهج العلمي

والقسم الرئيسي، في فلسفة بيكون هو المنهج العلمي. وقد تحدث عنه بالتفصيل في كتابه (٧,2) ، •10 dignitate فقال ان عمل الباحث العلمي شبيه بعمل القناص. ولهذا سماه باسم «قنص يان(131 (ويان هو إله الاحراش والغابات) لأن عمل الباحث يقوده نوع من ملكة الاشتمام flair شبيهة بملكة الاشتمام عند القناص الماهر الذي يشم اين توجد الفريسة subodoratio quaedam venatica وهذا القنص يقوم في ثماني عمليات هي :

١ - تنويع التجارب (كما في صناعة الورق من الخرق أو الخشب الخ).

٢ - اطالة التجريب (كما في عملية تقطير ماء الحياة).

٣ - الامتداد بالتجربة الى مجالات أخرى (فصل الماء والنبيذ).

٤ - قلب التجارب (الحرارة والبرودة في المرايا) .

٥ - الغائها (وسط التمغطس) .

٦ - تطبيقها (جعل الهواء صحياً) .

٧ - الجمع بينها (تجميد الماء وملح البارود salpetre)

٨ - تغييرظروفها (تقطيرالماء في اناء مغلق) - وهذا ما يسميه بيكون الصيد في الماء العكر.

بيكون

٣٩٧

وفي كتابه «الأورغانون الجديد» امقالة الثانية، يفصل قواعد منهج الاستقراء .

يقوم هذ ا منهج على وضع لوحات ثلاث هي : لوحة الحضور، لوحة الغياب، لوحة الدرجات.

في لوحة الحضور نسجل كل الأحوال التيتظهرفيها لطبيعة (أو الظاهرة) التي ندرمها٠ فمثلاً لو كنا نبحث في الحرارة، فإننا نسجل حضورها في: الشمس، الشعلة، دم الانسان الحي، المرايا المحرقة، الخ،

وفي لوحة لغياب نسجل الأحوال التي لا توجد فيها الطبيعة (أو «الظاهرة»): فبالنسبة الى الحرارة نسجل عدم وجودها في: اشعة القمر، ودم الحيوان الميت، الخ.

وبمقارنة اللوحتين نعرف السبب المولد للحرارة والذي بغيابه ينتفي وجود الحرارة

أما في لوحة الدرجات فتسجل كل الأحوال التي فيها تتغير طبيعة ما كلما تغيرت طبيعة أخرى فتزيد كلما زادت، وتنقص كلم نقصت، ما يجعلنا نقرر أن هناك ترابطاً بينهما.

وبمقارنة اللوحات الثلاث نستطيع أن نستبعد كل الظواهر الغريبة عن الطبيعة التي ندرسها، أي التي تكون غائبة حين تكون الطبيعة حاضرة، وحاضرة حين تكون الطبيعة غائبة ، وثابتة حين تكون الطبيعة متغيرة.

والأمر المهم والأصيل في منهج بيكون هذا هو الدور الذي تلعبه لوحة الغياب وما يصاحبها من تجارب سلبية.

ولو قارن هذه اللوحات الثلاث بقواعد مل الخمس، لوجدنا أن منبج الاتفاق عند بل يناظر لوحة الحضور، ومنهج الافتراق عند مل يناظر لوحة الغياب ومنهج التغيرات المتساوقة عند مل يناظر لوحة الدرجات عند بيكون.

٥-الا اء:

وبعد اجراء التجارب وتسجيلها في اللوحات الثلاث نقوم بالاستقراء. وهو غير الاستقراء الأرسطي، لأن هذا يقوم على العد البسيط للأحوال التي يشاهد فيها حضور طبيعة ما. ولماكان العد لا يمكن أن يكون تاما ، فإن هذا الاستقراء مستحيل التحقيق ومن هنا قال أرسطو عن الاستقراء ان نتائجه ظنيةدائما

أما الاستقراء الذي دعا اليه بيكون فيقوم على اساس الدليل التالي وهو انه اذا انتفى السبب انتفى المسبب، أي اذا استبعدت العلة لم يحدث المعلول -sublata, causa tollitur effectus .

والاستقراء عند بيكون هو في جوهره عملية تحليل واستبعاد تهدف الى الحصول على الطبيعة التي نتجت عنها وعن صورتها، متميزة عن غيرها من الطبائع. ومن طريق لوحات الجضور والغياب نستبعد كل الظواهر الأجنبية عن هذه الطبيعة موضوع البحث.

بيد أنه يلاحظ أن بيكون كان يكثر من لوحات الغياب ، بينما يكفي حالة غياب واحدف، ولكنها قاطعة للكشف عن العلة. وهذا ما فعله بسكال عن الضغط الجوي وارتفاع الزئبق في الأنبوب وذلك في تجربته المشهورة التي أجراها في ١٩ سبتمبر سنة ١٦٤٨ على جبل Dome عل لالمام إذ وجد أن الزئبق في الأنبوبة حين كان على قمة الجبل كان اقل ارتفاعاً، بمقدار ثلاثة اصابع منه حين كان الانبوب عند الأرض. فثبت من هذا أن انخفاض الضغط الجوي يؤدي إلى قلة رتفاع الزئبق. وبهذا أثبت تأثير الخلاء، ودحض مزاعم القائلين بأن الطبيعة تفزع من الخلاء .

لكن بيكون كان يريغ في استقرائه الى الوصول الى ما كان يسمى آنذاك بأشكال الطبائع formes de la nature ، ويرى ان «الاشكال» هي الموضوع الحقيقي للمعرفة. لكنه لا يقصد من «الاشكال» ما قصده أفلاطه ن من «الصور»، لأن أشكاله مغروسة في العالم المادي للأشياء الواقعية وهو احياناً ينعت «الشكل» بأنه «الشيء نفسهم ipsissima res ، وفي احيان اخرى يصفه بأنه «الينبوع الذي عنه ينبج الشيء»، وفي أحيان ثالثة يقول عن « الاشكال» انها «القوانين Laws التي تحكم الواقع المطلق وتكون أية طبيعة بسيطة«.

وفضلاً عن ذلك لم تكن لديه فكرة واضحة عن التلل العلى الآلي في ظواهر الطبيعة، ولم يتصور الطبيعة على أنها محكومة بالية دقيقة.

كذلك رفض بيكون النظرية الذرية، كيما يحفظ للعناصر المفردة للواقع الفيزيائي السيولة الضرورية للنمو، فهو يرى أن تكون هذه العناصر سائلة.

وبالجملة، فإن فضل بيكون الرئيسي هو في الدعوة العلوم باستخدام ( instauratio لى اصلاح (أو اعادة بناء المنهج التجريبي بحسب اللوحات الثلاث التي حددها، ووفقاً لاستقراء غير تام تراعى فيه قيمة التجارب أكثر من كميتها. وفضله ايضاً في الروح العقلية والعلمية التي بثها حتى صار من رواد حركة التنوير في القرن الثامن عشر، وفي الدعوة الى الفصل بين اللاهوت والعلم.