الشيوعية البدائية
الشيوعية البدائية أو الأولية (بالإنجليزية: Primitive Communism) مصطلح يرتبط عادةً بكارل ماركس ولكنه اكتسب مزيدا من التدقيق على يد فريدريك إنجلز (فى كتابه: أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة، الصادر عام 1884) ويعنى الحق الجماعى فى الانتفاع بالموارد الأساسية، والمساواة فى العلاقات الاجتماعية، وغياب الحكم التسلطى والتدرج الطبقى الهرمى، وهى المرحلة التى يعتقد أنها كانت موجودة فى مرحلة سابقة على ظهور التدرج الطبقى والاستغلال فى التاريخ الإنسانى.
زعم كل من ماركس وإنجلز أن مجتمعات الصيد وجمع الثمار كانت تقوم -على نحو تقليدي- على العلاقات الاجتماعية القائمة على المساواة والملكية المشتركة. وقد تأثرا تاثراً قوياً بآراء لويس هنري مورغان فى عرضه الظني لتاريخ التطور، الذى وصف فيه "الحرية، والمساواة، والإخاء عند العشائر والجماعات القديمة وتكلم فيه عن وضوح الشيوعية فى أمور الحياة التى يعتقد أنها كانت موجودة فى العمارة القروية عند سكان أمريكا الأصليين (الهنود الحمر). وكان وصف لويس هنري مورغان «الشيوعية في الحياة المعيشية» التي يمارسها شعب إيراكوي في أمريكا الشمالية مصدر إلهام رئيس لكل من ماركس وإنجلز. في نموذج ماركس للبنى الاجتماعية الاقتصادية، لم يكن لدى المجتمعات ذات الشيوعية البدائية أي بنى طبقية اجتماعية هرمية أو تراكم لرأس المال.
قدم إنجلز أول نظرية مفصلة للشيوعية البدائية في عام 1884، مع نشر كتاب أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة. استخدم ماركس وإنجلز هذا المصطلح، على نحو عام، أكثر من الماركسيين فيما بعد، ولم يطبقاه على مجتمعات الصيد وجمع الثمار فحسب، بل وأيضًا على بعض مجتمعات زراعة الكفاف. لا يتفق العلماء اللاحقون أيضًا، بمن في ذلك الماركسيون، على المدى التاريخي أو مدة ديمومة الشيوعية البدائية.
وقد استطاع إنجلز أن يدمج هذه الفكرة فى نظريته التطورية فى المادية التاريخية، فذهب إلى أن الانتقال إلى أنماط الإنتاج التى جاءت بعد ذلك تضمنت الانتقال من الإنتاج للاستخدام (للاستهلاك) إلى الإنتاج للتبادل، كما انطوت على تحول العلاقات العائلية الاجتماعية والمساواة بين الجنسين إلى أسر مستقلة كوحدات اقتصادية تقوم على تبعية المرأة وخضوعها. وقد أثار هذا الموضوع مناقشات مكثفة فى ميدان الأنثروبولوجيا، عرض لها بشكل طيب - على سبيل المثال - ليكوك فى مقاله: "الماركسية والأنثروبولوجيا" فى الكتاب الذى حرره أولمان وفيرنوف بعنوان: الدراسات الأكاديمية اليسارية، الصادر عام 1981، ويوضح ذلك العرض أن المناقشات قد تركزت حول طبيعة حقوق الملكية، والمكانة، والسلطة التى كانت معروفة لدى تلك الشعوب البدائية.
لاحظ ماركس وإنجلز أيضًا كيف أن تراكم رأس المال قد وجد طريقه في التنظيمات الاجتماعية للشيوعية البدائية. على سبيل المثال، في مراسلة خاصة في نفس العام الذي نُشر فيه كتاب أصل العائلة، هاجم إنجلز الاستعمار الأوروبي، واصفًا النظام الهولندي في جزيرة جاوة بتنظيم الإنتاج الزراعي والاستفادة منه «استنادًا إلى مجتمعات قروية شيوعية قديمة» على نحو مباشر. أضاف إنجلز أن حالات مثل الهند الشرقية الهولندية والهند البريطانية والإمبراطورية الروسية تبين «كيف تقدم الشيوعية البدائية اليوم ... أفضل أساس للاستغلال وأوسعه».
طبيعة مجتمعات الشيوعية البدائية
في مجتمع شيوعي أولي، كان كل شخص قادر جسديًا على الحصول على الطعام، وكان كل شخص يشترك في ما ينتج عن الصيد وجمع الثمار. لم يكن هناك ممتلكات خاصة، تتميز عن الممتلكات الشخصية مثل مواد الملابس والمواد الشخصية المشابهة؛ لأن المجتمع البدائي لم يكن ينتج أي فائض؛ فاستُهلك ما نتج عن ذلك بسرعة بسبب عدم وجود أي تقسيم للعمل، ثم أُجبر الناس على العمل معًا. كانت الأشياء القليلة الموجودة في أي فترة من الزمن (الأدوات والمساكن) تُدار على نحو مجتمعي -من وجهة نظر إنجلز- عبر الاشتراك في النسب الأمومي والعيش في منطقة الزوجة. لم يكن هناك وجود للدولة.
اعتُبر تدجين الحيوانات والنباتات بعد الثورة الزراعية عبر الرعي والزراعة نقطة تحول من الشيوعية البدائية إلى المجتمع الطبقي، إذ أعقب ذلك نشوء الملكية الخاصة والرق، وهو ما استلزم عدم المساواة. بالإضافة إلى ذلك، تخصصت قطاعات من السكان في أنشطة مختلفة، مثل التصنيع والثقافة والفلسفة والعلوم التي يقال إنها تؤدي إلى نشوء الطبقات الاجتماعية.
درس العديد من علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية المعروفين -ومنهم جيمس وودبرن وريتشارد لي وآلان برنارد ومؤخرًا جيروم لويس- ووصفوا مجتمعات المساواة ومجتمعات الصيد وجمع الثمار الشبيهة بالشيوعية. يقدم علماء الأنثروبولوجيا -مثل كريستوفر بوهم وكريس نايت وجيروم لويس- روايات نظرية لشرح كيفية نشوء الترتيبات الاجتماعية الشيوعية القائمة على المساواة في عصور ما قبل التاريخ. على الرغم من اختلاف الأنثربولوجيين في تأكيد ذلك، يتبعون إنجلز في القول بأن التحول التطوري- مقاومة الهيمنة الجنسية والسياسية على غرار الرئيسيات- انتهى في النهاية إلى تحول ثوري. ينتقد ريتشارد بورشي لي انحياز الثقافة السائدة المهيمنة منذ فترة طويلة ضد الوجود المحتمل للشيوعية البدائية، ساخرًا بأن «الأيديولوجية البرجوازية قد تجعلنا نعتقد أن الشيوعية البدائية لا وجود لها. وأنها في الوعي الشعبي يغلب عليها طابع الرومانسية، الغرائبية: الوحشية النبيلة».
استغل أرنولد بيترسن وجود الشيوعية البدائية ليدحض الفكرة القائلة بأن الشيوعية تتعارض مع الطبيعة البشرية.