نموذج علي
النموذج العلّي (بالإنجليزية: Causal Model) تمثيل كمى مجرد لديناميات الواقع. ومن ثم يحاول النموذج العلى أن يصف العلاقات العلية وغيرها من العلاقات القائمة بين مجموعة من المتغيرات. و أكثر أشكال النماذج العلية شيوعا تلك المعروفة باسم نماذج تحليل المسار. والتى طورت أساسا فى إطار علم الوراثة، وتبناها كأسلوب منهجى خلال الستينيات بعض علماء الاجتماع الأمريكيين من أمثال أوتيس ددلى دنكن Duncan. ويرتبط الجانب الأكبر من عملية بناء النماذج العلية بالبحوث المسحية. (انظر مؤلف بلالوك الكلاسيكى: الاستخلاصات العلية فى البحوث غير التجريبية، المنشور عام 1964).
وتستند النماذج العلية فى جوهرها على المعادلات الهيكلية على غرار: Z=b1x+b2 y، ويتم تحليلها باستخدام أسلوب تحليل الانحدار. ومع ذلك فالأسلوب الأكثر بساطة لفهم أسس النماذج العلية هو أن نفكر فيها باعتبارها فروضاً حول وجود ونوعية واتجاه التأثير بالنسبة لعلاقات كل زوج من المتغيرات فى أشكال توضيحية أو رسوم اتجاهية، كما هو موضح فى النموذج التالى المبسط:

وحتى عندما يكون هناك ثلاثة متغيرات فقط خاضعة للاخثبسار فى النموذج، يكون ممكنا ثحديد العديد من نماذج العلاقة بينها. وهكذا، فإن فحص كافة النماذج الممكنة يعد خطوة هامة فى تحليل البيانات وفى الربط بين النظرية السوسيولوجية والبحث الإمبيريقى.
وتنطوى النماذج العلية على فكرة التعددية العلية، أى أنه من الممكن أن يكون هناك أكثرمن علة واحدة لنتيجة بعينها. فعلى سبيل المثال، قد يكون السلوك الانتخابى للفرد نتاجا للطبقة الاجتماعية، والعمر، والنوع، و السلالة، وهكذا. فضلا عن ذلك، فإن بعض المتغيرات المستقلة أو الثفسيرية قد تكون مرتبطة ببعضها البعض. فيمكن مثلا للعمر والطبقة أن يرتبطا ببعضهما، بحيث أن تأثيرات العمر على السلوك الانتخابى تكون مباشرة وغير مباشرة (عبر الطبقة) فى آن واحد. ويوضح هذا المثال أهمية التفكير فى هذه النماذج قبل الشروع فى جمع البيانات. فالتتظير بهذا الأسلوب ينبؤنا بنوعية البيانات التى يتعين جمعها لكى نختبر النموذج الذى طورناه. ومع ذلك فإن اهتمامنا لا يقتصر فقط على العوامل المؤثرة فى السلوك الاتتخابى، بل يمتد إلى معرفة الكيفية التى تؤثر بها المتغيرات المختلفة فيه. وهنا نتساءل -مثلا- هل يرتبط النوع بالسلوك الاتتخابى سلبا أم إيجابا؟ ويبدو هذا أسلوباً غريباً لطرح السؤال، ولكن إذا ما كان لنا (مثلا) أن نسأل عما إذا كانت الإتاث أكثر أو أقل من الرجال ميلا إلى التصويت لصالح الحزب الجمهورى، فإن ذلك ينطوى على تعيين بعد للعلاقة يكون إيجابيا إذا كانت الإناث أكثر ميلا للتصويت للحزب الجمهورى، ويكون سلبيا فى الحالة المضادة. وبذات القدر يمكننا أن نطرح أسئلة حول ما إذا كان أى من متغيرات العمر أو الطبقة أو النوع أكثرأهمية من غيره فى تأثيره على السلوك الانتخابى. وبمكن للتحليل العلى أيضا أن يوضح الأثر المركب لكل من العمر والطبقة والنوع على المسلوك الانتخابى. أى أنه يمكننا أن نقول ماهو كم التباين فى السلوك الاتتخابى الذى تفسره هذه المتغيرات الثلاثة مجتمعة.
وفى أحسن الأحوال لاتستطيع النماذج العلية أن تفسر إلا جزءا من التباين فقط (عادة لايتجاوز 20 إلى 30 فى المائة) فى المتغير التابع.
ولهذا السبب تشتمل النماذج العلية على رواسب أو خطأ القياس لتبرير كم التباين الذى لا يفسره النموذج. فهناك بالرغم من كل شئ خصائص اجتماعية أخرى عديدة تؤثر فى السلوك الانتخابى للناس، بجانب العمر والنوع والطبقة. ومن المهم أن نلاحظ أيضا، أن النماذج العلية تنهض على الادعاء بتدرج العلل، فالعمر والنوع والطبقة تعلل السلوك الاتتخابى، ولكن العكس ليس صحيحا. وأخيرا يجب أن نلاحظ أن النماذج العلية لا تثبت أن أحد المتغيرات ينتج عن تأثير المتغيرات الأخرى. وكل ما يمكن للنموذج أن يفعله هو أن يشير إلى ما إذا كان متوافقا مع البيانات أم لا، وإذا كان الأمر كذلك، فإنه يشير أيضاً إلى مكامن قوة التأثيرات العلية فى ضوء النموذج المستخدم.
ويقدم كتاب هربت آشر "بناء النماذج العلية"، المنشور عام 1990، فى طبعته الثانية مقدمة قصيرة، ولكنها متخصصة بدرجة كبيرة، لمنطق وأدوات النماذج العلية.