إيليا أبو ماضي

(بالتحويل من إيليا أبي ماضي)

إيْليَّا أبو ماضي (1889 - 23 نوفمبر 1957) إيليا ضاهر أبو ماضي. شاعر وصحفي عربي لبناني يعد من أهم شعراء المهجر في أوائل القرن العشرين، وأحد مؤسسي الرابطة القلمية. ولد في قرية المحيدثة، ونشأ في عائلة بسيطة الحال لذلك لم يستطع أن يدرس في قريته سوى الدروس الابتدائية البسيطة؛ فدخل مدرسة المحيدثة القائمة في جوار الكنيسة، وترك المدرسة في سن الحادية عشرة. وعندما اشتد به الفقر في لبنان، رحل إيليا إلى مصر عام 1902متوجهًا إلى الإسكندرية طلبًا للرزق عن طريق التجارة مع عمه الذي كان يمتهن تجارة التبغ، مخصصًا بعض أوقاته للمطالعة ونظْم الشعر. وقد تأثر ببيان القرآن الكريم، وأفكار المعري، وشعر أبي نُوَاس.

التقى في الإسكندرية بأنطون الجميل، الذي كان قد أنشأ مع أمين تقي الدين مجلة «الزهور» فاُعجب بذكائه وعصاميته إعجاباً شديداً ودعاه إلى الكتابة بالمجلة، فنشر أولى قصائده بالمجلة، وتوالى نشر أعماله، إلى أن جمع بواكير شعره في ديوان أطلق عليه اسم «تذكار الماضي» وقد صدر في عام 1911م عن المطبعة المصرية، وكان أبو ماضي إذ ذاك يبلغ من العمر اثنان وعشرين عاما. وفيه هذا الديوان تقليد واضح لأساليب العصر العباسي الشعرية.

اتجه أبو ماضي إلى نظم الشعر في الموضوعات الوطنية والسياسية، فلم يسلم من مطاردة السلطات، فاضطر للهجرة إلى الولايات المتحدة عام 1912 حيث استقر أولا في سينسيناتي بولاية أوهايو حيث أقام فيها مدة أربع سنوات اشتغل فيها بالتجارة مع أخيه البكر الأديب مراد أبي ماضي، ثم رحل إلى نيويورك وفي بروكلين، حيث اشتغل بالصحافة؛ محررًا في: الحرية والمجلة العربية وزحلة الفتاة ومرآة الغرب.

أنشأ مجلة «السمير» عام 1929م، نصف شهرية ثم أسبوعية، ثم حوّلها إلى جريدة يومية عام 1936م، وهي تعد مصدراً أولياً لأدب إيليا أبي ماضي، كما تعد مصدراً أساسياً من مصادر الأدب المهجري، حيث نشر فيها معظم أدباء المهجر، وبخاصة أدباء المهجر الشمالي كثيراً من إنتاجهم الأدبي شعراً ونثراً. واستمرت في الصدور حتى وفاة الشاعر بالسكتة القلبية عام 1957م في بروكلين (نيويورك).

شارك في تأسيس الرابطة القلمية في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1916م مع جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة. لكنه تمسّك بالطبيعة والواقع، رافضًا الاستسلام لتيار الصوفية. وقد نشر وهو في نيويورك ثلاثة دواوين هي: ديوان أبي ماضي (1918م)؛ الجداول (1927م)؛ الخمائل (1947م). وبعد وفاته نشرت له دار العلم للملايين ديوان تبر وتراب (1960م).

يعد إيليا من الشعراء المهجريين الذين تفرغوا للأدب والصحافة، وقد اشتهر بفلسفته التي تطغى عليها نزعة التفاؤل وحب الحياة والحنين إلى الوطن، ويلاحظ غلبة الاتجاه الإنساني على سائر أشعاره، ولاسيما الشعر الذي قاله في ظل الرابطة القلمية وتأثر فيه بمدرسة جبران.

حاز عدّة أوسمة منها: وسام الأَرز الوطني اللبناني؛ وسام الاستحقاق السوري، وسام القبر المقدس الأرثوذكسي؛ وسام الاستحقاق اللبناني. وقد حصل على أغلب هذه الأوسمة عندما دعته الحكومة اللبنانية ممثلاً لصحافة المهجر في مؤتمر اليونسكو الذي عقد في بيروت عام 1948م.

حياته

اختلف النقاد والمؤرخون في تحديد سنة ولادته، حيث ذكرت جريدة «السائح» المهجرية أنه ولد عام 1889، غير أن آخرين يرون أنّه ولد في العام 1890، منهم محمد قره علي وجورج صيدح، بينما البعض الآخر يميل إلى قول طه حسين، الذي يقول أن إيليا ولد في العام 1891، ويؤكد هذا التاريخ الأديب السوري زهير ميرزا، وعبد المجيد عابدين ونجدة فتحي صفوت.

وُلد إيليا ضاهر أبو ماضي في قرية المحيدثية في المتن الشمالي اللبناني، حيث تلقى أول تعليمه، والده هو ضاهر أبو ماضي، وله خمسة أخوة هم مراد ومتري وطانيوس وإبراهيم وأوجني، وقد كان والده ريفي يمارس تربية دود القز والعناية بأشجار التوت، وسرعان ما ترك التعليم لفقر عائلته، حيث ترك مدرسته في سن الحادية عشر وهاجر إلى الإسكندرية سنة 1900 طلبًا للعمل، وعمل هناك مع عمه الذي كان تاجرًا في بيع السجائر نهاراً، وكان يطالع الكتب ويتعلم النحو والإعراب ليلاً، ويقول في هذا الصدد: «وفي الإسكندرية تعاطيت بيع السجائر في النهار في متجر عمي، وفي الليل كنت أدرس النحو والصرف تارة على نفسي وتارة في بعض الكتاتيب».

تزوج من دوروتي دياب ابنة نجيب دياب صاحب مجلة «مرآة الغرب» في الولايات المتحدة وله ثلاث أولاد هم ريتشارد وإدوارد وروبرت (بوب).

مسيرته

بدأت مسيرته الشعرية بمجموعةٍ من القصائد المتفرقة، وقد أصدر ديوانه الأول «تذكار الماضي» في الإسكندرية في عام 1911، وقد اعتاد نشر قصائده في بعض المجلات اللبنانية التي تصدر في مصر، وهناك التقى أنطون الجميل الذي كان قد أنشأ برفقة أمين تقي الدين مجلة «الزهور»، فأعجبا به وقررا دعمه، ونشر بعض قصائده في المجلة، ونتيجة لكتاباته السياسية اضطر إلى الهجرة إلى أمريكا بعد ملاحقته من قبل السلطات التي لم تكن راضيةً عن كتاباته، فهاجر برفقة مجموعة من الأدباء الآخرين من أبناء جيله إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وتمت تسميتهم بأدباء المهجر.

في بداياته اعتمد أسلوب القصيدة العمودية والموضوعات التي شملتها أغلب قصائد سابقيه، إلّا أنه غير من نمطه بشكلٍ كبير بعد هجرته إلى الولايات المتحدة، وقد مكث في الولايات المتحدة مع شقيقه الأكبر مراد، ومارس معه التجارة لأربع سنوات، وانتقل إلى نيويورك في 1916، ورأس تحرير «المجلة العربية» ثم تركها ليسهم في تحرير مجلة الفتاة التي كان يصدرها شكري البخاش، ومنذ 1918 تحول بعد ذلك ليعمل في تحرير مجلة «مرآه الغرب» نجيب دياب وحتى 1928. وقد شارك عام 1920 في تأسيس الرابطة القلمية، وهي عبارة عن جمعية أدبية قام مجموعة من الأدباء أمثال جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة ونسيب عريضة وإيليا أبو ماضي بإنشائها، وضمت مجموعة أخرى من ادباء المهجر اللبنانيين والسوريين. في أبريل 1929 أسس مجلة السمير النصف شهرية، وحولها إلى يومية ظل يصدرها حتى وفاته، وقد ساهمت هذه المجلة إسهاماً كبيراً في حياته الفكرية، وفي نيويورك أصدر دواوينه الشعرية الثلاثة: الجداول والخمائل وديوان إيليا أبو ماضي،

وقام أعضاء الرابطة بإصدار مجموعةٍ من المجلات وهي «مجلة الفنون» لنسيب عريضة، و«مجلة السائح» لعبد المسيح حداد، بالإضافة إلى «مجلة السمير» في بروكلين التي تولاها إيليا أبو ماضي والتي بدأت كمجلةٍ أسبوعية لتطرح بعدها بشكلٍ يومي. ويأتي إيليا ثالثًا في شهرته بين أعضاء الرابطة بعد جبران ونسيب، وبوفاة جبران خليل جبران عام 1932 تم تفكيك الرابطة القلمية حيث كان جبران يشغل منصب عميد الرابطة.

وهو في فلسفته متفائل وواقعي لأبعد حد، عكس صاحبه جبران خليل جبران الذي سرح بخياله وعالمه الجمالي الخاص، وكان يجسد هذه الفلسفة القائمة على التفاؤل والتشبت بالحياة في خواطر وأشعار بهيجة، وظف فيها الخيال الإبداعي الجمالي في رسم الحياة الاجتماعية الواقعية، وفي ذلك يقول المؤرخ الأديب حنا الفاخوري: «وهكذا فالحياة في نظر إيليا أبي ماضي سانحة من سوانح الوجود يجدر بالإنسان أن يغتنمها منفتحا على جمالها ومستمتعا بما تقدمه من نعمة، وما توفره له من متعة».

في 1948 زار إيليا أبو ماضي لبنان بعد انقطاع طويل، بدعوة من الحكومة اللبنانية لحضور مهرجان الأونسكو، ليمثل مع الصحافي حبيب مسعود صاحب مجلة «العصبة» في البرازيل صحافة المهجر، وكان موضع تكريم وحفاوة، فقد سارع اللبنانيون للاحتفاء به، وقد منحته الحكومة اللبنانية وسامي الأرز ووسام الاستحقاق، كذلك أقيمت له في دمشق حفلات تكريم، ومنحه هاشم الأتاسي رئيس الجمهورية السورية وسام الاستحقاق الممتاز في 1949.

أهم الأعمال

تفرغ إيليا أبو ماضي للأدب والصحافة، وقد تميز شعره بطبعة التفاؤل، فكان يسمو بكل شيء نحو الجمال، واشتهرت من دواوينه: «الخمائل» و"تبر وتراب" والجداول" بالإضافة إلى "ديوان إيليا أبو ماضي". كما لا تخلو مجموعاته من بعض الكتب النثرية، وقد أصدر عدة دواوين رسمت اتجاهه الفلسفي والفكري أهمها

  • «تذكار الماضي» (الإسكندرية 1911): ديوان صغير نشر في مصر عام 1911م، أهداه الشاعر إلى الأمة المصرية معبراً عن حبه لها وتعلقه بها، تناول فيه موضوعات مختلفة أبرزها الظلم عرض فيها بالشعر الظلم الذي يمارسه الحاكم على المحكوم مهاجماً الطغيان العثماني ضد بلاده.
  • «إيليا أبو ماضي» (نيويورك 1918): طبع في مطبعة مرآة الغرب بنيويورك، قدّم له جبران خليل جبران جمع فيه إيليا الحب والتأمل والفلسفة وموضوعات اجتماعية وقضايا وطنية كل ذلك في إطار رومانسي حالم أحياناً وثائر عنيف أحياناً أخرى يكرر فيه تغنيه بجمال الطبيعة.
  • «الجداول» (نيويورك 1927): صدر في نيويورك عن مطبعة مرآة الغرب عام 1927م مع مقدمة للأديب ميخائيل نعيمة بارك فيها الشاعر وشاعريته، وقد اشتمل الديوان في معظمه على قصائد ذاتية وإنسانية تميزت بطرافة صورها وأخيلتها، ويعد هذا الديوان مرحلة تطور وتحوّل في شعر أبي ماضي ونضجه من حيث جدّة الموضوعات، وتوازن المبنى والمعنى، والعناية بالقوافي، واستخدام الأبحر القصيرة والمجزوءة.
  • «الخمائل» (نيويورك 1940): من أكثر دواوين أبي ماضي شهرةً ونجاحاً، صدر في نيويورك عن مطبعة مرآة الغرب عام 1940م، ويعد امتداداً للجداول من حيث الأسلوب والفكر والموضوعات التأملية والإنسانية، وتنويع الأوزان والقوافي، إلا أن الإلحاح فيه على الدعوة إلى التفاؤل والتمتع بالحياة أشدّ وأوضح.
  • تبر وتراب (1960):
قصائد

أما قصائده فقد تميز العديد منها ولاقت نجاحًا مبهرًا نذكر منها: «فلسفة الحياة» التي يقول فيها «أيهذا الشاكي وما بك داء...كن جميلًا ترى الوجود جميلًا».

شعره

عدّ بعض النقاد إيليا أبي ماضي خير من مثّل المدرسة الشعرية في المهجر نزعة وتفكيرًا ومنهجًا. فهو شاعر مجدد امتلأت قصائده بالرّؤى الاجتماعية والفكرية والمشكلات النفسية، دون أن تخرج من دائرة السُّهولة والوضوح. وتميّز شعره ـ بشكل عام ـ بالحيرة والحنين والأمل، والدعوة للتمتع بالحياة قبل الغروب. مثل قوله:

أيهذا الشاكي ومابك داء كيف تغدو إذا غدوت عليلا
إن شر الجناة في الناس نفس تتوخَّى قبل الرحيل الرحيلا
وترى الشوك في الورود وتعمى أن ترى فوقها الندى إكليلا

ومن أجمل قصائده التي حازت شهرة واسعة وطن النجوم إذ هي تعبير عن أحاسيس الاغتراب والشجن في البعد عن الوطن، ومطلعها:

وطن النجوم أنا هنــا حـدِّق أتـذكر من أنا
ألمحت في الماضي البعيـــــ ـــد فتى غــريرًا أرعـنا
جذلان يمرح في حقو لك كالنسيم مُدَنْدِنا
يتسلق الأشجـــار لا ضجرًا يُحس ولاونى
ويعـود بالأغصان يَبْـــــــــ ــريهــا سيــوفًا أو قنا
أنا ذلك الولد الـذي دنيــاه كانــت ههنا

وإيليا ممن برعوا في القصة الشعرية.

ومن قصائده المشهورة المساء وهي نمط جديد في الشعر، استخدم فيه إيليا عددًا من القوافي، ولم يلتزم بالقافية الموحَّدة، وكانت القافية تتبدل بالقدر الذي يطلبه الإيقاع الموسيقي، ومنها قوله:

السحب تركض في الفضاء الرَّحْـــبِ ركض الخائفين
والشمــس تبــدو خلفــــها صفــراء عاصبـــة الجبـين
والبحـــر ســـاجٍ صـــامتٌ فيـه خشـــوع الزاهــدين
لكنمـــا عينـــاك ذاهبتـــان في الأفــــق البــعـيــــــد
سَلْـــمىَ بمــــاذا تفكـــرين سلـــمى بمـــاذا تحلمـــين

مؤلفات حوله

  • عيسى الناعوري (1958). إيليا أبو ماضي رسول الشعر العربي الحديث. بيروت: منشورات عويدات.
  • الحاوي (1967). إيليا: فن الوصف وتطوره في الشعر العربي (ط. الثانية). بيروت: دارالكتاب البناني.
  • محمود سلطان (1979). إيليا أبو ماضي بن الرومانسية والواقعية. الكويت: منشورات دارالقبس.
  • الحاوي (1981). ايليا: إيليا أبو ماضي شاعر التساؤل و التفاؤل. بيروت: دارالكتاب اللبناني.
  • عبد اللطيف شرارة (1982). إيليا أبو ماضي دراسة تحليلية. بيروت: دار بيروت للطباعة و االنشر.
  • عز الدين اسماعيل (1988). الشعرالعربي المعاصر (ط. الخامسه). بيروت: دارالعودة.
  • عبد المجيد الحر (1995). إيليا أبو ماضي باعث الأمل ومفجرينا بيع التفاؤل (ط. الأولى). بيروت: دارالفكر العربي.
  • سالم المعوش (1997). إيليا أبو ماضي بين الشرق والغرب، في رحلة التشرد والفلسفة والشاعرية (ط. الأولى). بيروت: مؤسسة بحسون للنشر والتوزيع.
  • عبد المجيد عابدين. بين شاعرين مجددين، إيليا أبو ماضي وعلي محمود طه المهندس (ط. الثانية). الأسكندرية: دار المعرفة الجامعيه.
  • هاني الخير (2009). إيليا أبو ماضي: شاعر الحنين... والأحزان. دمشق: دار مؤسسة رسلان للطباعة والنشر والتوزيع.
  • جميل جبر. إيليا أبو ماضي.
  • هاني الخير (2009). موسوعة أعلام الشعر العربي الحديث: إيليا أبو ماضي: شاعر الحنين... والأحزان. المنهل. ISBN 9796500150512.

نصب تذكارية وتشريفات

  • شارع إيليا أبو ماضي، عمّان، الأردن.
  • شارع إيليا أبو ماضي، مدينة القاهرة الجديدة، مصر.

وفاته

توفي إيليا أبو ماضي في سنة 1957.

طالع