شعراء المهجر
شعراء المهجر أو مدرسة المهجر هم شعراءُ عربٌ عاشوا ونظموا شعرهم وكتاباتهم في البلاد التي هاجروا اليها وعاشوا فيها، ويُطلق اسم شعراء المهجر عادة على نخبة من أهل الشام وخاصة اللبنانيين المثقفين الذين هاجروا إلى الأمريكيتين (الشمالية والجنوبية) في ما بين 1870 حتى أواسط 1900، وقد اعتاد الناس تسمية أعضاء الرابطة القلمية والعصبة الأندلسية بشعراء المهجر، بينما في الواقع هناك الكثير من الشعراء المهاجرين الذين لم يكونوا اعضاء في تلك الروابط والنوادي الأدبية.
نبذة تاريخية
بدأ آلاف المهاجرين العرب من الشام (سوريا ولبنان وفلسطين) مع بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي رحلتهم الطويلة إلى بلاد المهجر (أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية)؛ لأسباب اقتصادية وسياسية في المقام الأول. فقد كانت بلاد الشام ولاية عثمانية تتعرض لما تتعرض له الولايات العربية الأخرى تحت الحكم التركي من تعسّف الحكّام وسوء الإدارة. وأما من كانوا يعارضون سياسة التتريك العثمانية، ويجاهدون للإبقاء على الهوية العربية، فنصيبهم الاضطهاد والمعتقلات.
وقد ازدادت الأوضاع السياسية سوءًا عندما قرَّرت الدول الأوروبية الكبرى مواجهة الدولة العثمانية، واقتسام أملاكها شيئًا فشيئًا، فانحازت كل دولة إلى فرقة أو طائفة على حساب أمن الشام واستقراره. فاشتعلت الفتن الطائفية والدينية وحدثت مذابح كثيرة، وساءت الأحوال الاقتصادية في بلاد كثيرة السكان ضيِّقة المساحة، وهلكت المحاصيل الزراعية بالأوبئة والحشرات، إضافة إلى ارتفاع الضرائب المفروضة على المزارعين وأصحاب المتاجر الصغيرة. وهكذا فكر عدد كبير من السكان بالهجرة، وتطلعت أبصارهم إلى الغرب وإلى الأمريكتين بخاصة، فقد سمعوا عنها وعما تتمتع به من ثراء وحضارة وحرية، وذلك من خلال جمعيات التنصير ومدارسه التي تعلم فيها بعض منهم. وقد شجعهم ذلك على الهجرة عن بلادهم وأهليهم، علهم يطمئنون على أرواحهم وأنفسهم ويصيبون شيئًا من الثراء في جو يسوده الأمان والحرية والرخاء.
انقسمت قوافل المهاجرين إلى العالم الجديد إلى قسمين؛ قسم قصد الولايات المتحدة الأمريكية واستقر في الولايات الشرقية والشمالية الشرقية منها، وتوجه القسم الآخر إلى أمريكا الجنوبية وبخاصة البرازيل والأرجنتين والمكسيك.
وجد المهاجرون عناءً وتعبًا، فلم يكن الحصول على لقمة العيش سهلاً، كما ظنوه وكما زُيّن لهم، ولكنهم وجدوا في بيئتهم الجديدة من الحرية ما ساعدهم على ممارسة إبداعهم الأدبي، كما أن شعورهم بالغربة وحنينهم إلى الوطن البعيد، وخوفهم على لغتهم وهويتهم العربية من الضياع، في مجتمعات يبدو كل شيء فيها غريبًا عنهم، جعلهم يلتفون حول بعضهم بعضًا، ودفعهم إلى تأسيس الجمعيات والأندية والصحف والمجلات؛ يلتقون فيها ويمارسون من خلالها أنشطتهم، وظهر من بينهم الشعراء والأدباء الذين نشأت بهم مدرسة عربية أدبية مهمة هناك، سميت بمدرسة المهجر، أسهمت مساهمة مقدرة في نهضة الأدب العربي الحديث. وقد انقسمت مدرسة المهجر إلى مدرستين هما:
الرابطة القلمية إحدى الجمعيات الأدبية التي أسسها مهاجرو الشام في أمريكا الشمالية في نيويورك (1920م)، وكان الشاعر جبران خليل جبران، وراء فكرة تأسيسها، فترأسها وأصبح أبرز أعضائها. وقد ضمّت الرابطة إلى جانب جبران كلاً من الأدباء: ندرة حداد، وعبد المسيح حداد، ونسيب عريضة، ورشيد أيوب، وميخائيل نعيمة، وإيليا أبو ماضي، ووليم كاتسفليس، ووديع باحوط، وإيليا عطاء الله.
استمر نشاط الرابطة الأدبي عشرة أعوام، وكان أعضاؤها ينشرون نتاجهم الأدبي في مجلة الفنون التي أسَّسها نسيب عريضة، ثم في مجلة السائح لعبد المسيح حداد. وقد توقف هذا النشاط بوفاة جبران وتَفَرُّقِ أعضائها؛ إما بالوفاة وإمَّا بالعودة إلى الوطن.
كان هدف الرابطة القلمية هو بث روح التجديد في الأدب العربي شعرًا ونثرًا، ومحاربة التقليد، وتعميق صلة الأدب بالحياة وجعل التجربة الكتابية تنفتح على آفاق أوسع مما كانت تدور حول فلكه من النماذج القديمة في الأدب العربي.
ويبدو أن أدباء الرابطة القلمية قد حققوا الكثير من أهدافهم، وقد ساعدهم على ذلك ما كان يجمع بين أعضائها من تآلف وتشابه في الميول والاهتمامات، إضافة إلى المناخ الحر الذي كانوا يتنفسون أريجه، وما كان يعج به من أحدث التيارات الفكرية والاتجاهات الأدبية آنذاك.
العصبة الأندلسية تأسست عام 1932م في ساو باولو بالبرازيل، ولعل السبب في هذه التسمية هو الجو الأسباني الذي يطبع الحياة العامة في أمريكا الجنوبية، وكأنه قد أثار كَوَامنَ الشجن في نفوس هؤلاء المهاجرين وأعادهم إلى ذكريات العرب أيام مجدهم بالأندلس. تبنَّى الشاعر شكرالله الجرّ فكرة التأسيس، فاجتمع عدد من الشعراء والمهتمين في منزل ميشيل المعلوف لهذا الغرض، وحضر الاجتماع الأعضاء المؤسسون وهم: شكرالله الجر، ميشيل المعلوف، نظير زيتون، حبيب مسعود، إسكندر كرباح، نصر سمعان، داود شكور، يوسف البعيني، حسني غراب، يوسف أسعد غانم، أنطون سليم سعد، ثم انضم إليهم فيما بعد عدد من الشعراء والكتاب. وتولى رئاستها ميشيل المعلوف. وظل أعضاؤها ينشرون إنتاجهم الأدبي في مجلة الأندلس الجديدة لصاحبها شكرالله الجر لمدة عام، ثم صدر العدد الأول من مجلة العصبة الأندلسية، عام 1934م، وتولى حبيب مسعود رئاسة تحريرها. وقد استمرت هذه المجلة في الصدور حتى عام 1960م، وتخلل ذلك فترة انقطاع من عام 1941م إلى عام 1947م.
لا تختلف أهداف إنشاء العصبة الأندلسية عن أهداف الرابطة القلمية كثيرًا، فهناك رغبة مشتركة في الحفاظ على اللغة العربية، وبث روح التآخي والتآزر بين الأدباء في المهجر، وجمع شملهم، ورعايتهم، وتسهيل نشر إنتاجهم في المجلة أو من خلال المجموعات والدواوين الشعرية، وإقامة جسر حي بين هذا الأدب ونظيره في الوطن العربي الكبير، خصوصًا بعد توقف نشاط الرابطة القلمية. غير أن تواضع البيئة الثقافية التي عاش فيها أدباء المهجر الجنوبي وعدم وجود شخصية مثل شخصية جبران بينهم، ووجود تباين في ثقافة أعضائها ونزعاتهم واهتماماتهم وانتماءاتهم الفكرية والوطنية، وتبني سياسة مرنة في النشر في المجلة؛ جعل أدب المهجر الجنوبي، فيما عدا استثناءات قليلة، أدبًا تقليديًا مقارنة بأدب المهجر الشمالي، وقد عاب أدباء الشمال هذه التقليدية على أدباء الجنوب.
وأيًا كان الحال، فإن الأدب العربي في المهجر الشمالي والجنوبي، بثرائه، واتساع آفاقه؛ نتيجة تفرد تجربته وظروف مُبْدِعِيهِ، يظل جزءًا مهمًّا وفاعلاً في دائرة الإبداع الأدبي المعاصر.
جماعة مجلة الشِّـعر. حركة شعرية نقدية تبلورت في مجلة الشعر التي تأسست في بيروت عام 1957م، بريادة كل من يوسف الخال وخليل حاوي ونذير العظمة وأدونيس، وصدر العدد الأول منها في صيف 1957م. وترك خليل حاوي الجماعة بعد عام من تأسيسها. وبعد مرحلة التأسيس التي استمرت ثلاث سنوات، انضم إليها شوقي أبو شقرا وأنسي الحاج وفؤاد رفقة وخالد صالح، ودعمها من الخارج جبرا إبراهيم جبرا، وتوفيق صايغ وبدر شاكر السياب وشكرالله الجر، وسلمى خضراء الجيوسي ورياض الريِّس.
اعتبرت مجلة الشعر نفسها منبرًا للإبداع والحرية في المنطقة العربية كلها، فنشر فيها نزار قباني وبدوي الجبل وسعدي يوسف وعبدالوهاب البياتي وآخرون. وتبلور اتجاه المجلة مع الزمن تدريجيًا حول الحداثة، فنافح أعضاؤها عن حرية الإبداع والتخلص من رواسب التقليد، فتبنّوا أشكال القصيدة العربية الجديدة من الشعر الحر إلى قصيدة النثر، ودعوا كل مبدعٍ إلى اكتشاف لغته الشعرية وإيقاعه وشكله، انطلاقًا من تجربته ومعاناته الشعرية، لا من محاكاة النماذج الموروثة الجاهزة.
عمق رواد هذه المجلة أيضًا مضامين القصيدة الحديثة، وتوصلوا إلى أشكال شعرية وأساليب أكثر اتصالاً بالحاضر وإيقاعه. فلكل قصيدة في مفهومهم رؤية ومعاناة خاصتان. وتبلور هذه الرؤى وتلك المعاناة شكل القصيدة ولغتها وموسيقاها. كما نظروا إلى التراث الشعري الإنساني نظرة إكبار، وتفاعلوا مع مصادره ونتاجه من خلال ترجماته والرجوع إلى نصوصه الأصلية.
ثار أصحاب هذه الجماعة أيضًا على بنية القصائد المحافظة وشكلها ومضمونها ووزنها، فجاءوا بابتكارات جديدة، فانشطر المهتمون بالشعر إلى مؤيدين للجماعة ومعارضين لها. كما أكدوا على مسؤولية الشاعر الحضارية أمام ضميره ووجدانه وانتمائه إلى الإبداع والحرية قبل كل شيء. ووسعوا مفهوم الشاعر المعاصر للتراث فشمل كلّ النتاج الحضاري من سومر إلى العرب. ودعوا إلى العودة إلى الجذور واكتشاف التراث والهوية الحضارية من خلال المعاناة الشعرية والتجربة الذاتية، واحتفلوا بالأساطير القديمة وبدائلها الفولكلورية والدينية في الكتب المقدسة، وتفاعلوا مع مفهوم الحداثة العالمي والشعر الجديد، ونقلوا الشعر من الواقع اليومي، إلى السياق الحضاري والإنساني؛ فتبلورت على أيديهم اتجاهات جديدة، لاسيما المدرسة التموزية، التي نهلت من الأساطير القديمة، واتخذت من رموزها مايجسد معاناة العربي المعاصرة في الحياة والموت، وقدموا صياغات جديدة للقصيدة الحرة والمدورة وقصيدة النثر في إطار مفهومهم المتميز للمعاناة النفسية والإبداع الشعري.
وكان للجماعة بجانب مجلة الشعر الدورية التي تختص بالإبداع والنقد والترجمة، مجلس أسبوعي مفتوح للجمهور تُعرض فيه النماذج الشعرية الجديدة، لشعراء المجلة وضيوفها، وتناقش فيه القضايا الفكرية والنقدية، قضايا الشعر العالمي والعربي، حتى تتواصل الرؤى النقدية بحركة الشعر المعاصر.
صدرت المجلة لمدة أربعة عشر عاما، وتوقفت، ثم استأنفت الصدور مرة أخرى. ولكنها مع مرور الزمن فقدت حيويتها الأولى، بعد أن أدّت وظيفتها الإبداعية في حركة الشعر الحديث. وأخيرًا توقفت نهائيًا أوائل سبعينيات القرن العشرين الميلادي.
تركت جماعة مجلة الشعر صدى مازلنا نسمعه في عالم الإبداع حتى اليوم؛ لأنها أول حركة تسّلحت بوضوح المفهوم والرؤية والانتماء والاختصاص وتنّوع الشخصيات الشعرية التي دعمتها رغم خصوماتها الكثيرة بين التجديديين والتقليديين، مما كان سببًا في بقائها خمسة عشر عامًا حيث تركت بصماتها واضحة على حركة الشعر الحديث.
وترى جماعة من النقاد والمهتمين بالأدب أن جماعة مجلة الشعر ذات انتماء غربي، وأنها راعية الحداثة في الساحة العربية، وأن ثورتها على الموروث لم تقتصر على شكل القصيدة بل تعدتها إلى نبذ الموروث في المضمون، فدعا بعضهم إلى نبذ التراث وتحطيم كل ماهو مقدس، وجاهروا بذلك صراحة في نثرهم وشعرهم وسلطوا الأضواء على نماذج ورموز من التراث فيها نظر، كالحلاج والقرامطة وغيرهم.
الأدباء
أدباء المهجر الشمالي
هم الأدباء العرب الذين هاجروا إلى الولايات الأمريكية المتحدة وإلى مناطق أخرى من أمريكا الشمالية. وهم مجموعة الرابطة القلمية ومجموعة أخرى ممن لم يكونوا ضمن الرابطة، ومنهم:
الرابطة القلمية
تاسست عام 1920 على يد جبران خليل جبران ورفاقهم وكان أعضائها:
- جبران خليل جبران.
- ميخائيل نعيمة.
- نسيب عريضة.
- رشيد أيوب.
- عبد المسيح حداد.
- ندرة حداد.
- أمين مشرق
- إيليا أبو ماضي
ادباء المهجر الجنوبي
هم من هاجر إلى مناطق أمريكا الجنوبية كالبرازيل والأرجنتين والمكسيك وفنزويلا وأسس مجموعة من الأدباء هناك ما سمي بالعصبة الأندلسية.
أسماء الذين شاركوا في هذه العصبة
ومن أعضاء هذه العصبة :
- ميشيل نعمان معلوف.
- فوزي المعلوف.
- رشيد سليم الخوري.
- شفيق المعلوف.
- جورج صيدح.
- إلياس فرحات.
- عقل الجر.
- شكر الله الجر.
- جرجس كرم.
- توفيق قربان.
- اسكندر كرباج.
- نظير زيتون.
- مهدي سكافي.
- عمرعبيد.
- ايليا أبو ماضي.
- يارا الشلهوب
موضوعات شعر المهجر
النزعة الاجتماعية والإنسانية:
أي بها النظر إلى المجتمع نظرة حب ورحمة، والرغبة في أن يعم الخير على الجميع وأن ينتشر بين الناس المبادئ السامية المبنية على الحب والقيم والفضائل وأن يظهر مجتمع أفضل إلى حيز الوجود ويطرأ فيه الشمائل والفضائل. حيث يقول إلياس فرحات:
أثير على التعصب نار حرب يطير على اللحى منها شرار
قذفت بها قلانسهم فــــطارت ولو خفت مآثمهم لطـــــاروا
وقد حفل الشعر المهجري بألوان من النقد الاجتماعي الذي يطابق بالطابع الإنساني على أن الإنسان هو ابن المجتمع ومصلحه ومصدر خيره وشره فدعوا إلى المساواة ونبذ الكبر والأنانية حتى تسود المحبة والوئام بين الناس. كقول إيليا أبو ماضي:
نسي الطين ساعة أنه طــين حقير فصال تيها وعـــــــربد
وكسا الخز جســـمه فتباهى وحوى المال كيسه فتــمردا
يا أخي لا تمل بوجهك عني ما أنا فحمة ولا أنت فــرقد
لا يكن قلبك للخصــام مأوى إن قلبي للحب أصبح معبد
أنا أولى بالحب منك وأحرى من كساء يبلي ومال ينفـــد
النزعة التأملية:
نجد أن شعراء المهجر يفكرون دوما ويتأملون في القضايا المختلفة، فهم يتجهون إلى أنفسهم يتأملون في الفرار من صخب الحياة وآلامها ومصائبها التي تحاصرهم. كما توجهوا إلى الطبيعة وتأملوا في مظاهرها وشخصوها ليعبروا عما يجيش في نفوسهم من أحاسيس. وهو ربما تكون وليدة معاناتهم من الظلم والجور والبؤس في أوطانهم ومعاناتهم من الغربة والوحدة في المهجر، وأحيانا كانت تعتريهم حالة يأس وضجر من الحياة فيندبون حظهم. يقول إيليا أبو ماضي في قصيدته الطلاسم:
جئت لا أعلم من أين ولكـــني أتيت
ولقد أبصرت قدامي طريقا فمشـيت
وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيت
كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟
لست أدري!
الحنين إلى الوطن:
يكثر شعراء المهجر في التعبير عن مشاعرهم تجاه الوطن الأم، لأن العاطفة تلعب دورا فعالا في حياة الإنسان، فهي تحرك أوطار وجدانه، ويتألم لما يصيبه من كوارث والنازلات، وأما بدون العاطفة يصبح الإنسان آلة لا تحس ولا تشعر، فالشعر المهجري يتميز بطابع عاطفي كبير، والسبب في ذلك شعوره بالغربة وهم بعيدون عن أوطانهم. كما يقول إلياس فرحات:
دار العروبة دار الحب والغزل هاجرت منك وقلبي فيك لم يزل
هلا منت بلقيا استرد بها فجــر الشباب فشمس العمر في الطفل
ويتجلى ذلك الولوع والشوق والحنين بكل وضوح عند نسيب عريضة حينما يتمنى أن يعودوا به إلى حمص بعد وفاته ليدفن في أرضها فهي أرحم من الأم:
يا دهر قد طال البعاد عن الوطــن هل عودة ترجى وقد فات الظعن
واجعل ضريحي من حجارة سود عد بي إلى حمص ولو حشو الكفن
التسامح الديني:
كان المهاجرون في البلدان الأجنبية يلتقي بعضهم ببعض من البلاد المختلفة من لبنان وسوريا ومصر بأديان مختلفة، كلهم يرفعون التعصب الوطني واللغوي على التعصب الديني والانقسامات القبلية. وهذا سبب لإثارة عاطفة جديدة في نفوسهم هي الحرية الدينية، فنرى أن الأدباء المسلمين وأصحاب الديانة الأخرى يعيشون معا، ويمدح مسيحي منهم دين الإسلام ونبي الرحمة عليه الصلاة والسلام، كما يقول رشيد سليم الخوري:
عيد البرية عيد المولد النبـــــوي في المشرقين والمغـربين دوي
عيد النبي ابن عبد الله من طلعت شمس الهداية من قرآنه العلوي
بدا من القفر نور للــورى وهدى يا للتمدن عم الكــون من بدوي
الميل إلى الطبيعة والتفكر فيها:
وعادة ما يميل شعراء المهجر إلى الطبيعة، ويفكرون في آيات الله في الكون من الجبال والطيور والتلال والغابات والأشجار والأنهار، فهم يناجون الأزهار ويناغون الطيور. وذلك لنسيان ما نزل بهم من الآلام والمصائب، وتذكارا للوطن والتعبير عن الحنين والشوق إلى وطنهم الأصيل. وكذلك يريد الأدباء في المهجر الإشارة إلى أحسن طريق لتهذيب الإنسان، فالإنسان يجب عليه المحاكاة بالطبيعة إذا شاء تهذيب نفسه.
النزعة الروحية:
وهي ثمرة استغراقهم في التأمل والتفكير. ويقصد بها التأمل في الحياة وأسرار الوجود والتطلعات الصوفية. ولعل الداعية إلى هذا التأمل هي موازنتهم بين القيم الروحية في المجتمعات الشرقية والقيم المادية في المجتمعات الغربية. وهذه الفكرة دفعتهم إلى الرجوع إلى الله بالشكوى والتضرع إليه للنجاة من الحياة المادية وخطورتها، والدعوة إلى المحبة والمساندة الاجتماعية، والإيثار والجود والسخاء.
قضية فلسطين:
تمثل قضية فلسطين هماً من الهموم التي حملها شعراء المهجر، لأنها جرح لن يندمل، يحس بها كل من لديه قلب نابض في صدره عربيا كان أو مسلما. فلم لا يندبها الشاعر المهجري ويبكي على مأساتها على الرغم من أنه عربي ولديه قلب خافق عربي.
خصائص شعر المهجر
التمسك بالوحدة العضوية:
اهتم شعراء المهجر بالوحدة العضوية في القصيدة. ويقصد بها الشاعر توحيد الموضوع والأغراض وترتيب الأفكار والصور في بناء متماسك في قصيدة واحدة، فتصبح القصيدة كالجسم الحي الواحد الذي يقوم كل جزء فيه مقامه المحدد له. ولم تقتصر هذه الوحدة العضوية في القصائد فقط، بل حرصوا على اهتمامها بالدواوين أيضا، فالديوان يحمل اسما له صلة بمضمونه كما يبدو من عناوين دواوينهم مثل ” الخمائل” و” الجداول” لإيليا أبو ماضي، و” همس الجفون” لميخائيل نعيمة.
اللجوء إلى الرمز:
الرمز هو أن يتخذ الشاعر من الأشياء الحسية رموزاً لشيء ما. فهو يقصد تأدية المعنى عن طريق الأشياء الحسية بدون الإشارة إليه والتصريح به. ومن ذلك قصيدة (التينة الحمقاء) للشاعر إيليا أبو ماضي. يرمز بها الشاعر لمن يبخل بخيره على الناس، ويشير بها إلى مخاطر الشح وجزاء الأشحاء.
التحرر من الوزن والقافية:
تصرف شعراء المهجر في النظام العروضي التقليدي أيضا، حتى تحرر الشعر من قيود الوزن والقافية، ونتج عن هذا أشكال جديدة من حيث البناء والنسق، فتنوع شعرهم ما بين الشعر النثري والشعر الموزون المقفى وشعر التفعيلة والأناشيد والأغاني الشعبية والقومية.
الميل إلى السهولة والوضوح في اللغة والأساليب:
الشاعر المهجري يرى اللغة وسيلة لأداء المعاني والأفكار والتعبير عما يجول في خاطره من الهواجس، واللغة ليست الغاية في نفسها، لذلك آثروا اللغة الحية والأساليب السلسة والكلمات ذات المعاني الضخمة والتراكيب السهلة.
الإكثار من استخدام الشكل القصصي في القصيدة:
اتخذ شعراء المهجر الشكل القصصي وسيلة للتعبير، فأكثروا في استخدامه في القصائد، مما يساعدهم على تحليل المواقف الشعورية والعواطف الإنسانية، وعلى تجسيد الدلالات والمعاني والأفكار. وهذا ما يُلاحظ بوضوح عند جبران ومطران وإيليا أبو ماضي.